Advertise here

أخطار كبيرة تواجه الوضع العربي

25 شباط 2020 08:59:42 - آخر تحديث: 25 شباط 2020 08:59:43

اللحظة السياسية الراهنة تبدو مناسبة لإظهار تماسك عربي استثنائي لمواجهة تحدياتٍ سياسية استثنائية. ولا يمكن تمديد فترة التراخي العربي لآمادٍ زمنية إضافية، لأن الأخطار التي تُهدّد المكانة العربية، والتي تستهدف أكثر من دولة عربية، تبعث على القلق، وهذه الأخطار تُشبه في بعض جوانبها المرحلة التي عاشتها المنطقة بُعيد الحرب العالمية الأولى وما تلاها من ويلات وانقساماتٍ، وتفتيتٍ أصاب عدداً من الأقطار، واستغلتها الدول الاستعمارية لتؤسّس كياناً صهيونياً غاصباً في قلب المنطقة، وتوزَّعت المناطق الأخرى مساحات نفوذ لها.

مواقف التضامن مع فلسطين والتي صدرت في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقد في مقرّ الجامعة العربية في القاهرة مطلع شباط الحالي، خلقت مناخاً تفاؤلياً، والقرار الموحّد الذي صدر تجاه رفض "خطة السلام الأميركية"، أو "صفقة القرن"، وخصوصاً فيما يتعلق ب"عدم القبول بالتفريط بالقدس لصالح الدولة الغاصبة إسرائيل"، كان محل تقديرٍ من الرأي العام العربي على إطلاقه، وقد سجّلت العديد من القوى والأحزاب ارتياحاً للموقف العربي الموحّد الذي صدر عن الاجتماع.

تشعر نُخبٌ عربية متابعة أن مستوى الاستهداف للمكانة العربية توسَّع إلى رقعةٍ كبيرة. فالهلال الخصيب العربي الذي يمتد من السفوح الجنوبية للجبال الإيرانية حتى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، بما فيه فلسطين، يعيش أسوأ أيامه لأن العدوان التوسعي "الإسرائيلي" متواصلٌ في غرب الهلال وجنوبه، والفوضى التي نتجت عن التدخلات الدولية، وعن أذرُع الدول الجارة – لا سيّما إيران وتركيا - أنتجت مآسٍ إنسانية في سوريا والعراق ولبنان، وهي تُهدّد مستقبل هذه الأقطار العربية ومصالح شعوبها، وبدأت ملامح تفكّك الفكرة الحضارية العربية تُصيب مكوّنات هذه الدول في الصميم.

أما دول وادي النيل، وخصوصاً مصر والسودان، فهي تعيش استهدافات غير مسبوقة أيضاً، وعلى الأخص بعد انفصال جنوب السودان، ولناحية ما تتعرَّض له ثروات هذه الدول الطبيعية والمائية، وبالتحديد نهر النيل. وتبقى منطقة القرن الإفريقي، لا سيّما الصومال وجيبوتي وسواحل البحر الأحمر، هدفاً للأطماع الخارجية. وتفعل التدخلات فعلها في خلق اضطرابات أمنيةٍ وسياسيةٍ في هذه المناطق. وتطمح غالبية الدول المؤثّرة، بما فيها إسرائيل" في إقامة قواعد عسكرية ثابتة على السواحل الغربية للبحر الأحمر، بينما يستمر التدخل الإيراني في شؤون اليمن عن طريق دعم الميليشيات الحوثية التي تُهدّد استقرار اليمن ووحدته، كما أمن الجزيرة برمّتها.

أما المغرب العربي، وخصوصاً ليبيا، فليس بعيداً عن التهديدات التي تُسبّبها التدخلات الخارجية، لا سيّما بعد المعاهدة المخالِفة للقانون الدولي، والتي أبرمتها تركيا مع "حكومة الوفاق" برئاسة فايز السرّاج، وهي التي تحمي الميليشيات في طرابلس وضواحيها.

إن الانتفاضات الشعبية التي اندلعت مؤخراً، وعلى وجه التحديد في العراق وفي لبنان، تُوفِّر فرصةً للحظةٍ سياسيةٍ مناسبة لإبراز شكلٍ من أشكال التضامن العربي، وهي قوة دفعٍ شعبية للدول العربية الفاعلة كي تبحث عن وسيلةٍ تُلاقي أهداف هذه التحركات الثورية، والتي تبنّت الشعارات الاستقلالية ودفعت إلى الواجهة، وبقوة، فكرة الدفاع عن العروبة في وجه الاستباحة غير العربية للعراق ولسوريا وللبنان. وهذه الاستباحة أصبحت تُشكّل خطراً على الانتماء القومي العربي لشعوب هذه الدول، إضافةً للإذلال الذي سبّبته للناس من خلال تعميم ثقافة الفساد التي ساهمت في إنتاج حالات الفقر، والعوَز، وتزايد البطالة في صفوف الشباب.

تبدو المرحلة مناسبة، وأكثر من أي وقتٍ، مضى لاستعادة التماسك بين الدول العربية، والشرُوع في معالجة بعض الثغرات المُؤلمة الناتجة عن التباينات السياسية حول بعض الملفات العربية الساخنة، لا سيّما حول سوريا، التي يتعرَّض شعبها لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد. 

واللحظة التاريخية لم تعُد تسمح بالمزيد من التشرذم والغياب العربيين، لأن الدول الطامعة بالهيمنة والتوسُّع بدأت تُفكر جدياً في تقاسم المنطقة مساحات نفوذ لها، على الشاكلة التي حدثت في العام 1916، بموجب معاهدة سايكس – بيكو، أو مؤامرة سايكس – بيكو، سيّان.

الأمن القومي العربي مُهددٌ بالصميم من جرّاء التدخلات الخارجية، وبعض هذه التدخلات يرفع شعارات واهية تحمل مزايدات سياسية بالحرص على القضية الفلسطينية العادلة. 

إن ما جرى في العراق بعد مقتل اللواء قاسم سليماني أماط اللثام عن بعض الخطط التي تستهدف منطقة الهلال العربي الخصيب، وكشفَ عن المدى المُتقدِّم الذي بلغته التدخلات الخارجية في الشأن العربي، سواء من جانب إيران وتركيا، أو من جانب الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.

وتمادي هذه التدخلات يُهيّئ الأجواء أمام شكلٍ جديدٍ من أشكال الاستعمار الخارجي للمناطق العربية، ويوزِّع خيرات البلدان العربية على الطامعين.