Advertise here

اتفاق روسي – أميركي على دور تركي في منبج وشرق الفرات

22 كانون الثاني 2019 22:55:00

يستعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيارة موسكو، وعقد لقاء قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو الأول بينهما منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرار سحب قواته من سوريا. وفيما تتجه الأنظار نحو التفاهمات التي سيخرج بها الطرفان حول مستقبل "منبج" ومصير "اتفاق إدلب"، ومساحة النفوذ التركي شرق سوريا، وعمق "المنطقة الآمنة" التي تستعد تركيا لإقامتها في الشمال والشمال الشرقي من الحدود مع سوريا.

وإذ تشكل "منبج" بالنسبة للقيادة التركية مفتاحاً رئيسياً للسيطرة على شرق الفرات، وطرد القوات الكردية التي تصنفها تركيا "إرهابية"، تحاول روسيا ترتيب اتفاق تفاهم بين قوات النظام ووحدات حماية الشعب الكردي، لإعادة بسط سلطة النظام على المناطق الكردية وقطع الطريق أمام أي تقدم تركي مؤازر لقوات "الجيش الحر" المعارض، خاصة بعد إعلان الرئيس الأميركي الانسحاب من سوريا، وفي الوقت الذي لم تلتزم الولايات المتحدة تنفيذ خريطة الطريق حول منبج، التي اتفقت عليها مع تركيا في حزيران 2018 والتي تقضي بإخراج القوات الكردية منها، والتي انتهت إلى  تسيير دوريات مشتركة أميركية فيها.

خلال سنوات الحرب تحولت "منبج" إلى  تجمع عربي كبير، حيث نزح إليها عشرات الآلاف من مدينة حلب ومن الباب ومناطق مسكنة والسفيرة بالإضافة إلى  هجرة أغلبية العشائر من الأرياف المحيطة بها، ما جعلها محط اهتمام معظم القوى المتصارعة في سوريا للسيطرة عليها، خاصة وأنها تشكل الجزء الأكثر حساسية في الخاصرة الطبيعية لأنقرة. فموقعها المشاطر للحدود مع تركيا، والواصل بين مدينة حلب بشطريها غرب الفرات وشرقه، يكسبها قيمة استراتيجية وجيو ـ استراتيجية. كما أن إطلالتها على نهر الفرات عبر جسر قراقوزاق، وجريان الساجور من شمالها، ونهر الذهب في جنوبها الغربي، حوّلها إلى  مركز اقتصادي وسوق كبير للتجار من تل أبيض والرقة وعين العرب وجرابلس، ما أعطاها ميزة اقتصادية في ظروف الحرب الدائرة، وأهمية كبيرة في دغدغة حلم الأكراد، ويعزِّز هذا الموقع أيضا السيطرة على شبكة من الطرق البرية الواصلة بين المناطق المترامية الأطراف.

وتكتسب "منبج" أهمية إضافية لدى تركيا في ظروف الصراع الحالية، بعد سيطرة "الجيش السوري الحر" على غالبية المنطقة الشمالية والتحكم بالمنافذ الحدودية مع تركيا "جرابلس – باب السلامة – غصن الزيتون".

مع إعلان الرئيس ترامب قراره سحب القوات الأميركية من سوريا، سارعت الأطراف المتقاتلة في سوريا لحشد قواتها وميليشياتها على بوابات منبج بغية السيطرة عليها، ما دفع الرئيس التركي إلى  الايعاز لقواته الاستعداد لدخول منبج السورية، والتلويح بالسيطرة على المناطق الحدودية شرق الفرات، ما استدعى تحذير عال اللهجة من الولايات المتحدة من القيام بأي إجراء عسكري أحادي الجانب في شمال سوريا، وادى هذا التحذير إلى  توتر جديد في العلاقة الأميركية التركية، حيث رفض أردوغان استقبال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، بعد أن كان الرئيس الأميركي ترامب قد دغدغ مشاعر أردوغان حين قال له في اتصال هاتفي (خذها إنها لك). 

زيارة أردوغان إلى  موسكو في هذا التوقيت، تحمل العديد من المؤشرات، حيث تأتي بعد عمليتي تفجير عسكريتين طاولتا القوات الأميركية في منبج، وبعد مشاورات ميدانية تفصيلية جرت بين وفد عسكري أميركي رفيع المستوى مع القيادة العسكرية التركية، أشارت إثره مصادر رسمية تركية "إلى أن الوفد الأمريكي قدم لنا خلال زيارته إلى  أنقرة وثيقة تتضمن 5 مواد تتعلق بسحب قواتها من سوريا، وبدورنا قدمنا لهم موادنا، والمباحثات بشأنها مستمرة".

وأوضحت المصادر، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "أبلغ نظيره التركي رجب طيب أردوغان في مكالمة هاتفية، إنه يريد معالجة المخاوف الأمنية التركية في سوريا، ويريد أيضا عدم إساءة التصرف مع حلفاء واشنطن الأكراد"، ووفقاً للمصادر عينها فإن الرئيس التركي "وافق على انسحاب القوات الأميركية من سوريا وناقش مع ترامب فكرة إنشاء منطقة أمنية شمالي سوريا".

وفي تطور لافت في هذا الخصوص، كشفت الرئاسة التركية عن اتصال هاتفي جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأردوغان، أكد خلاله الأخير "استعداد بلاده تولي الأمن في منبج شمال سوريا دون تأجيل".

واتفق خلاله الرئيسان على "استمرار الجهود المشتركة بينهما للقضاء على تنظيم (داعش) في سوريا، واتخاذ الإجراءات الضرورية للحيلولة دون عودته".

والمتحدث باسم الرئاسة التركية قال "إن أردوغان قدم التعازي لترامب بمقتل الجنود الأميركيين، مؤكداً جهوزية تركيا لتأمين منبج وتطهير الأراضي من حزب (العمال الكردستاني) وذراعه العسكري (وحدات حماية الشعب) الكردية".
وأكد أردوغان لترامب خلال الاتصال الهاتفي أن التفجيرات في منبج تهدف إلى  التأثير على قرار سحب القوات الأميركية من سوريا.

المصادر التركية اعتبرت أن الاتصال الأخير بين الرئيسين الأميركي والتركي، والذي يسبق انعقاد القمة الروسية – التركية هو بمثابة تتويج للاتفاق التركي – الأميركي حول منبج وحول المنطقة الحدودية الآمنة التي ستقيمها تركيا بعمق 20 كلم داخل الحدود السورية الشمالية والشمالية الشرقية.

سيما وأن تركيا تمكنت من إقناع موسكو بالعملية العسكرية التي ستخوضها في شرق الفرات، وبحسب المصدر، أبدى الجانب الروسي اهتماما بالغاً بخطة تركيا للدخول إلى  شرق الفرات، من أجل إعادة الاستقرار للمنطقة، ومن ثم إعادة السوريين إلى  هذه المناطق". ملخصاً الموقف الروسي بأن "موسكو لا تعترض على العملية التركية المزمعة شرق الفرات، ولا توجد اعتراضات عليها مستقبلاً، وبعد القمة ستبدأ عملية التنسيق بين الجيشين التركي والروسي من أجل تنفيذ العمليات في هذه المناطق".

وعن الملفات التي ستناقشها القمة الروسية – التركية، أوضحت المصادر، أن الرئيس التركي سيزور موسكو في 23 كانون الثاني الجاري، لتنسيق انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مع الجانب الروسي، ومناقشة المبادرة التركية بخصوص إنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا، على ضوء التطورات الأخيرة في المنطقة، والاتفاق الذي وصلت اليه الاجتماعات الثنائية والمباحثات المستمرة فيما يتعلق بعملية شرق الفرات، على مستوى رفيع بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة، خاصة وان القيادة التركية أبلغت روسيا معارضتها لأي وجود لقوات النظام السوري في مدينة "منبج"، وأكدت أن "جهود وحدات حماية الشعب الكردية إدخال قوات النظام إلى  منبج لا يمكن السماح بها".

كما ستشكل القمة فرصة لمواصلة الدعم الروسي لنشاط أنقرة في تنفيذ اتفاق سوتشي حول منطقة خفض التصعيد، بمحافظة إدلب، رغم الاستفزازات المستمرة من قبل النظام والميليشيات الإيرانية، في إدلب والتي بدأت عقب إعلان تركيا قرارها الدخول إلى  منبج وشرق الفرات.

هذا وتسيطر حالياً على مدينة منبج شمال سورية "قوات سورية الديموقراطية" (قسد)، وهي تحالف عربي كردي تهيمن عليه وحدات حماية الشعب الكردية المدعوم من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية مجموعة (إرهابية) بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي يشن حركة تمرد على الأراضي التركية منذ العام 1984.