Advertise here

المسجد الأقصى وسور الصفقة

22 شباط 2020 15:31:00 - آخر تحديث: 22 شباط 2020 16:51:07

شكّل المسجد الأقصى إحدى النقاط المحورية الأساسية في"صفقة القرن"، والتي أجمع المحلّلون على أنها تتمة لكل المخطّطات التي وضعتها إسرائيل منذ العام 1947، لتحقيق الغاية الاستراتيجية لها، ومن بينها فرض السيادة الكاملة على أكثر المواقع الدينية قدسية وأهمية في القدس، وهي المدينة القديمة التي تُعرف بالحرم القدسي الشريف عند المسلمين - أي المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين - وبجبل الهيكل عند اليهود، علاوة على نحو 30 بالمئة من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، بما فيها وادي الأردن، والمستوطنات اليهودية.

ففي العام 1969، أقدمَ الاحتلال على حرق المسجد الأقصى المبارك. يومها قالت غولدا مائير، رئيسة وزراء العدو، بعد الحادثة، «لم أنم طوال الليل. كنتُ خائفةً من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجاً من كل مكان. ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمتُ أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده». وقد شكّل الحريق وقتذاك أكبر تحدٍ للمسلمين وضعته إسرائيل ضمن نشاطات إعادة الهيكل، بينها إقامة الحفريات، ومصادرة الأماكن، وتحويل القصور الأموية إلى حدائق توراتية. وقد طالت عمليات الهدم حيّ المغاربة، فتشرّد من جرّائها 800 عائلة قوامها 4,000 نسمة من الفلسطينيين إلى مناطق اخرى، وإعداد خرائط تفصيلية لبناء الهيكل على كامل مساحة الأقصى البالغة 144 دونماً ضمن عمل يستغرق 3 سنوات.          

وفي نيسان 2015، أُعدّ برنامج بعنوان "هكذا نقيم الهيكل الثالث"، وكان تهيئةً للداخل الإسرائيلي لخطوة إزالة المسجد، والبدء ببناء الهيكل، ومطالبة الحكومة الإيطالية باستعادة ما يزعمون أنها مقتنيات الهيكل التي سلبها القائد الروماني تيتوس الذي دمّر الهيكل الثاني. في هذا الوقت كشفت دراسة أن الاحتلال يواظب على تغيير مكانة الحرم القدسي الشريف عبر "أعمال تطوير" ضمنها أخيراً تنقيبات أثرية. أما في دراستها "جبل الهيكل / الحرم الشريف، خلفية أثرية وسياقات سياسية" فتؤكّد منظمة "عيمق شافيه" أن إسرائيل تبذل جهوداً لخلق واقعٍ جديد يتيح لها المساس بمكانة الوقف الإسلامي في الحرم القدسي.

ولقد جاء في مندرجات صفقة القرن، "...تشمل الخطة أيضاً تعزيز الشراكة بين الأردن والفلسطينيين و"إسرائيل"، في إدارة المسجد الأقصى، وضمان وصول المصلّين إليه. وهنا يعترف جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "إن الإدارة الأمريكية تدرك مدى أهمية المسجد الأقصى، وقيمته للمسلمين حول العالم، وأن "خطة السلام" تضمن حرية العبادة للجميع ليأتوا ويصلّوا بسلام، مما سيمكن أكثر من 1.5 مليار مسلم من زيارة الأماكن المقدسة في المدينة والصلاة فيها".

هذا الواقع دفع بوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية لإطلاق تحذير من فرض، "واقعٍ جديد على المسجد الأقصى المبارك، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ورعايتها في القدس الشريف، وذلك بالتزامن مع ممارسات سلطة الاحتلال لتعطيل عمل دائرة أوقاف القدس الشريف، والاقتحامات اليومية للمسجد التي تهدف لفرض التقسيم الزماني والمكاني". 

وشدّدت الوزارة على أن، "المسجد الأقصى المبارك وقفٌ إسلامي لا يقبل الشراكة، وليس لغير الـمسلمين أي حقٍ فيه..."

يميل بعض المحلّلين إلى أن ما سُمّي بصفقة القرن ما هي إلّا حلقةً أخيرة في تصفية الجهاد الفلسطيني، ونتيجة من نتائج حرق الأقصى، لأنّ من وضعَ صيغة الصفقة، ونصّها، ورسّم الحدود هم اليهود أنفسهم، وصولاً إلى تحقيق الأحلام الكبيرة في القدس القديمة، والعهد، والعودة، والهيكل.

يبقى أن الشعب الفلسطيني، الثابت على موقفه لاسترجاع أرضه ومقدساته، ورفض كل أشكال التفاوض حول المخطّطات الأميركية – الإسرائيلية، هو الرد الأنجع للحفاظ على إرثٍ تاريخي وعربي وإسلامي. وربما تكون صفقة القرن خريطة طريق لسور العزل الجديد الذي يزيد الشتات، ويفصل شعباً جبّاراً، وأمّتيه العربية والإسلامية عن قضيةٍ لطالما كانت ولا تزال محور النزاعات والصراعات على مدى قرون.

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.