Advertise here

مرآة العالم

21 شباط 2020 08:38:19

في الواقع الجبري الفاقع تسلطاً وظلماً، حكمت الولايات المتحدة الأميركية العالم عسكرياً بعد الحرب العالمية الثانية، بواسطة قواعدها المنتشرة في بقاع العالم، فارضةً اقتصاداً أحادياً من خلال العملة الخضراء، والتي هي كالشمس الشارقة على الأمم في أية بقعة وُجد عليها سكان؛ واجتماعياً كذلك، إذ أن أكثرية العادات الأميريكة والغربية أصبحت قيد التداول الشعبي اليومي، وكذلك الآفات الاجتماعية التي فتكت بالشعب الأميركي تغلغلت في مجتمعنا العربي بشكلٍ سافرٍ مما أدّى إلى التفكّك الأسري رويداً رويداً، وتفشي حالات الهجران والطلاق بعد أن كان هذا العمل يعدّ من المحرمات.

واللافت منذ تولي الرئيس الأمريكي ترامب لمنصب الرئاسة أنه لم يعد هناك  رادعٌ أخلاقي  واجتماعي، أو أي نوعٍ من الخجل يتحكّم بسياسته الداخلية والخارجية، إذ أن المبدأ السائد هو التبادل والمقايضة  دون مواربة. وقد تعرّض كل شيء، ومن أي نوعٍ كان، للابتزاز المالي وحتى البقاء في السلطة يُغدَق عليه الأموال، كما في عصر السلاطين والملوك، للمحافظة على النفوذ والقيادة والرفاهية التي لا يُمكن التفريط بها لقاء أي سببٍ كان، حتى ولو أتى على مستقبل فلسطين بأكملها. وهذا الابتزاز امتدّ إلى التعاملات التجارية والاقتصادية حتى أنهم أوجدوا أعداء مفترضين ومستقبليين في سبيل إبقاء المصانع الكبرى للأسلحة والمنتجات العسكرية بكل أصنافها، وبديمومة مستمرة من جهة، ومن جهةٍ أخرى السيطرة على سوق المعدّات العسكرية التي تكون رافعةً للاستراتيجية الغربية، والأميركية تحديداً، بالتفوق العسكري التام، والإبقاء على سباق التسلّح بوجه الدول التي اقتصادها يتابع النمو، مثل روسيا والهند، لمنعها من الاكتفاء الاقتصادي، وبالتالي الابتعاد عن فلك الدولرة المعتمد.

أما الصين، الاقتصاد العالمي الأول، فقد تجاوزت هذا الحد عن طريق الصناعة الخفيفة المتعددة الأصناف والأوجه، وأصبحت تشكّل خطراً جاثماً على الصناعة الأميركية العادية، وخاصةً الصناعة الرقمية في عصرنا الحالي؛ إذ هي أصبحت في الجيل السادس تكنولوجياً أمام الولايات المتحدة. والخوف الكبير هو أن تدخل الصين القطاع العسكري العالمي، وهنا ستحلّ الكارثة الكبرى على الولايات المتحدة، وساعة إذٍ لا نعلم أيّ منطقة في العالم سوف تكون عرضة للتجارب القتالية بافتعال حربٍ تحت مسمياتٍ عديدة، كنشر الديموقراطية، والحفاظ على  حقوق الإنسان، وبإثارتها من حينٍ لآخر في التيبيت، وغيرها من منطقة الهند- الصينية...

لنعُد إلى أمرٍ حصل في مجلس النواب الأميركي، وهو حادثةٌ لو حصلت في أي مكان في العالم، خاصةً في عالمنا العربي لكانت الشتيمة والكلام النابي، والفضائح الرئاسية وغيرها، وضرب أسس الديمقراطية، ورؤساء لا يفقهون شيئاً، وشعوب متخلفة يحكمها ملوك ورؤساء تافهون.

لو أن رئيساً من بلداننا العربية يلقي خطاباً سنوياً  للأمة من على منبر المجلس التشريعي، وعلى رأسه رئيسٌ مناهض، فهل يكون التعامل بينهما كما كان بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة البرلمان نانسي بيلوسي بهذا التصرف، أو هل يصل لهذا الدرك من الشيطانية الصبيانية، وكأنها حلبة ملاكمة لجولاتٍ من الكباش السياسي، أو ينتهي الأمر بالضربة القاضية؟

رئيسٌ يمتنع عن مصافحة رئيسة مجلس النواب بعد أن بسطت يدها لمصافحته ويتجاهلها عمداً. وبعد تفكير عميقٍ امتدّ طيلة فترة القاء الخطاب قامت رئيسة مجلس النواب، وفور الانتهاء من إلقاء الرئيس لخطابه، بتمزيق النصّ الورقي الذي سبق وسلّمها أياه الرئيس بنفسه. وهي فعلت ذلك علناً وأمام مرأى ومسمع مَن في القاعة وخارجها من الشعب الأمريكي والعالم.

إذا كان هؤلاء الكبار الذين يحكمون العالم بكل الطرق المتاحة لهم، قد وصل التعامل فيما بينهم إلى هذا المستوى من الخبث والكره لبعضهم البعض، فكيف ذلك سينعكس على مَن يتمثّل بهم، ويدور في فلكهم.

ويقولون لك أنه هناك مؤسّسات تحكم وتتحكم بالقرار!!

بكل بساطة إنهم لا يصلحون لقيادة الناس.

وهل هذا نوعٌ جديدٌ من الديمقراطية، والتصرّف الإنساني والأخلاقي، والتربية البيتية، والتراكم العملي اليومي من التعاطي، والترفّع عن الصغائر من دولةٍ عظمى هي مرآة للعالم أجمع؟


إنها السلطة والتسلط بكل أطيافها، وعبادتها القاتلة منذ ما قبل التاريخ.

إنه نموذجٌ يحتذى.

 

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.