Advertise here

هل ينفّذ أردوغان تهديداته في حلب وإدلب؟

21 شباط 2020 05:15:00 - آخر تحديث: 21 شباط 2020 09:09:49

دخل الشمال السوري، لا سيّما محافظتَي إدلب وحلب، مرحلةً جديدة من التصعيد بعد فشل المحادثات الروسية - التركية في موسكو، وسقوط مسار أستانة واتفاق سوتشي، حيث تصاعدت التحذيرات، ووتيرة الاستعدادات العسكرية بين الطرفين لحربٍ باتت وشيكة، فيما عجزَ مجلس الأمن الدولي عن إصدار بيان طالبت به فرنسا لوقف الأعمال العدائية، حيث تستمر عمليات النزوح هرباً من ويل المعارك وقصف الطائرات، في ظل طقسٍ مناخيّ عاصف تدنّت فيه درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، وأدّت إلى موت أطفال جرّاء الصقيع.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هدّد بإطلاق هجوم عسكري مفاجئ ضد الجيش السوري في إدلب، وقال: "عملية إدلب باتت وشيكة، ولن نترك المنطقة للنظام السوري الذي لم يدرك بعد حزم بلادنا"؛ وهو ما ردّت عليه موسكو بالرفض، وبالتحذير مما سمّته، "أسوأ سيناريو". أما وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، فقد شدّد على ضرورة أن تقوم تركيا بتنفيذ اتفاق سوتشي الخاص بإدلب وقال، "إن جولة المحادثات الأخيرة لم تصل إلى نتائج محددة". وحمّل لافروف الجانب التركي مسؤولية فشل تنفيذ بنود اتفاق سوتشي.
وكانت المحادثات الروسية – التركية جرت على جولاتٍ متعددة، وشارك فيها أمنيّون وعسكريون وسياسيّون من الجانبين. حاول الجانب الروسي إقناع الأتراك تثبيت نقاط مراقبة جديدة خارج المناطق التي باتت تحت سيطرة قوات النظام، وقد سرّبت الصحافة الروسية خرائط جديدة قالت إن تركيا وافقت عليها، فيما نفت تركيا هذه المزاعم.

مصادر تركية شاركت في لقاءات سوتشي، أوضحت في اتصالٍ مع "الأنباء"، أن حرباً إعلامية كبيرة تُخاض ضد تركيا. وكشفت أن الجانب التركي، "رفض كل المقترحات الروسية المخالِفة لحدود اتفاق سوتشي". وأضافت المصادر أنه، "لا قيمة لما يتمّ طرحه من خرائط لمناطق جديدة، أو أي مقترحات روسية وغير روسية يتمّ تسريبها عبر الإعلام، والقول إن تركيا قد وافقت عليها في الغرف المقفلة". وأكّدت المصادر أنه، "لم يحصل أي اتفاق جديد، ولن يكون هناك اتفاق على أي مقترح يتناقض وحدود ومضمون اتفاق سوتشي".

وترى المصادر أن جولات المفاوضات التركية في موسكو لا تعدو كونها مرحلةً زمنيةً من أجل استثمار واستكمال كل الاستعدادات العسكرية، و"حيث ستكون هنالك معركة عسكرية كبرى ستقوم بها تركيا في الشمال السوري على نمط "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، و"نبع السلام"، وقد تمّ إبلاغ الروس والأطراف المقابلة بذلك، فالعملية العسكرية أصبحت ضرورة قصوى".

وكشفت المصادر التي فضّلت عدم الكشف عن اسمها، أن "العملية العسكرية يُتوقع أن تنطلق على أبعد تقدير فجر أول آذار المقبل، أو ليل 28- 29 شباط 2020، وستكون عملية مفاجئة، وقد لا تنطلق من جهة باب الهوى - إدلب فقط، ولربما تكون أيضاً من عفرين. وربما تتم زعزعة ومفاجأة الكثير من المناطق التي يعتبرها النظام مناطق آمنة، أو التي تقع تحت سيطرته، بما في ذلك المناطق المختلف عليها، أو التي تمّت السيطرة عليها، مثل رفعت ومنبج، ومناطق غرب حلب، وريف إدلب الشرقي والغربي، والشمالي والجنوبي".

المصادر أكّدت أن "الاستعدادات للعملية العسكرية في الشمال السوري ليست مسرحية استعراضية، إنما ستكون عملية عسكرية حقيقية ضد النظام، وليست هناك أي نوايا أو خطط للمواجهة مع روسيا. لكن على روسيا أن تعلم بأن الأمن القومي لتركيا هو المهدّد، خاصةً بعد استهداف الجنود الأتراك في نقاط المراقبة، حيث سقط 14 عنصراً، وجُرح حوالى الـ 41 عنصراً آخر، إضافة إلى وجود كارثة إنسانية كبرى، وهي مسؤولية أممية وليست تركية فقط. وبالتالي لتركيا الحق بأن تدخل إلى الشمال السوري، ولها الحق بتنفيذ عملية عسكرية، وفق المادة 51، أو وفق اتفاقية أضنة، أو حتى اتفاقية سوتشي".

ورأت أن "الاتفاقيات تلك تعطي لتركيا الحق في تنفيذ العملية العسكرية، على الرغم من اعتماد أنقرة سياسة ضبط النفس، واستخدام آخر المحاولات الدبلوماسية مع الجانب الروسي الذي يبدي تشدداً غير مقبول، ويرفض تماماً أي مقترحٍ تركي بالرجوع إلى حدود اتفاقية سوتشي، وحدود ما وراء نقاط المراقبة التركية، وفق ما أعلن الرئيس أردوغان الذي منح قوات النظام والروس فترةً زمنية لذلك".

ورأت المصادر أن الرئيس الروسي يريد تحقيق انتصار سياسي استراتيجي له في المنطقة على حساب الدول الكبرى الأخرى، لا سيّما الأميركية، والاتحاد الأوروبي، وبالتالي يريد أن يفرض شرعية النظام السوري القاتل. وفي المقابل تركيا اقتنعت تماماً أنه لا يمكن الوثوق بهذا النظام، ولن ترضى أن تكون هنالك حدود مشتركة معه، وهي لا تأمن على حدودها منه، ولا يمكن أن ترضى بأن يُترك ملايين السوريين المدنيين في مهب الريح على تلك الحدود، لذلك هي تسعى لتأمينهم في منطقة آمنة داخل أراضيهم إذا فشلت السياسة والدبلوماسية. ستحقّق تركيا ذلك بالقوة، وهذه من أهم أسباب العملية العسكرية القادمة، وبالتالي سنكون في العشرة أيام القادمة، أمام مرحلة ساخنةٍ شديدة الخطورة.

رفع الرئيس التركي سقف تهديداته، ولا يبدو أنه سيتراجع عنها في ظل الدعم والتأييد الأميركيين المعلن له. ولكن روسيا، التي سبق أن قامت بخطوات لمساعدة الرئيس التركي، مستمرة هذه المرة في انتهاج مسارها الداعم للنظام؛ فعلى الرغم من المصالح التجارية والاقتصادية التي تربط البلدين، فإن عناصر الاشتباك بين تركيا وروسيا تزداد حماوة في ليبيا وفي سوريا، وهي تنتظر الموعد النهائي الذي حدّده أردوغان في 29 شباط. وقد يغدو هذا التاريخ بالنسبة للعلاقة بين البلدين، موعداً تاريخياً "للفصل"، أو تجديد "الوصل".