Advertise here

عن أسباب الأزمة الخانقة في لبنان والحلول الناجعة لها

19 شباط 2020 22:33:19

من المؤكد أن الأزمة السياسية والاقتصادية والمالية التي يعيشها لبنان اليوم ناتجة عن مجموعة من العوامل، ولكن الوقائع تؤكد أن إخفاقات سياسية وأمنية تحمل أوزارا مسببة أكثر من غيرها، ومن هذه الأسباب مسألة موقع لبنان على خارطة التجاذبات الدولية والإقليمية التي تجري في المنطقة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعفاء الإدارة السياسية للبلاد من المسؤولية عن الاهتراء الحاصل، لأن جزءا كبيرا من المسؤولين لا يتمتعون بالكفاءة المناسبة لتسيير شؤون الدولة، وبعض آخر منهم أعطى للحسابات المحورية والحزبية والشخصية أولويات على الشأن العام، او على مصلحة الوطن.

في استعراض بسيط لما حصل خلال العشر سنوات السابقة نرى: أن النمو الاقتصادي في العام 2009 ـ ايام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ـ وصل الى 8%، خصوصا بعد الاتفاق السياسي الذي حصل بين الأطراف اللبنانية، وبرعاية عربية ودولية، في الدوحة ونتج عنه تولي العماد ميشال سليمان رئيسا الجمهورية. وفي العام 2010 إبان رئاسة سعد الحريري للحكومة، وصل النمو في الناتج الإجمالي ايضا الى حدود 10%، والسبب الرئيسي لزيادة النمو، كان زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى بيروت وبرفقته الرئيس بشار الأسد.

كل ما سبق يشير الى أن التوازن السياسي الداخلي، والموصول الى حلقة توازنات خارجية، مترافقة مع علاقات مستقرة مع الدول العربية الشقيقة، هي المعيار الأهم للنمو الاقتصادي والاستقرار المالي في لبنان. وكلما غامر البعض في تكوين مقاربات انحيازية جديدة، لا تأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل، دفع لبنان ثمنا غاليا وتراجع اقتصاده، فلا يمكن الطلب من لبنان أن يتحمل أكثر مما يستطيع في خضم الصراع الدولي والإقليمي القائم في المنطقة، خصوصا أن كل اللبنانيين من دون استثناء متفقين على أن إسرائيل هي العدو الأوحد للبنان دون غيرها.

بطبيعة الحال، فإن أغلبية الاختناق السياسي والمالي الحالي، والذي يهدد البلاد بالموت البطيء، ناتج عن العوامل الآنفة الذكر، لأن السياسة الخارجية للبنان في السنوات الثلاثة الماضية كانت منحازة الى محور سياسي إقليمي، وخرج وزير الخارجية السابق جبران باسيل عن الإجماع العربي في أكثر من محطة، خصوصا في اجتماعات وزراء الخارجية العرب المتكررة في القاهرة وفي تونس.

المأزق المالي الحالي المخيف الذي يواجه لبنان، لا يمكن الخروج منه بإجراءات تقشفية، او بفرض ضرائب جديدة على المواطنين الذين يئنون تحت وطأة ضائقة معيشية خانقة، كما أن الاقتصاد اللبناني الذي يعيش مرحلة ركود وتراجع غير مسبوقة، لا يتحمل هو ايضا أعباء المديونية الكبيرة التي تضاعفت في السنوات الأخيرة.

إن الروئ المجردة عن المصالح النفعية والسياسية تؤكد بما لا يقبل أي شك، أن المساعدة المالية الخارجية ضرورية لإنقاذ البلاد، وهي المدخل لتحفيز النمو المتباطئ ولتكبير حجم الاقتصاد عن طريق جذب الاستثمارات الخارجية، وفي مقدمتها الاستثمارات العربية. وكيف لهذه المساعدة أن تحصل إذا كان القيمون على الدولة، والمؤثرين فيها يغرقون لبنان أكثر فأكثر بمشاكل المنطقة المعقدة والتي ليس له فيها ناقة ولا جمل.

بعض وصفات صندوق النقد الدولي لمعالجة الوضع المأزوم، لا تتماشى مع الواقع اللبناني، لأنها تتعاطى مع أرقام فقط، ولا تتدخل بالمسببات السياسية الفعلية للأزمة، اما بعضها الآخر فقد يكون مفيدا لفرض إصلاح هيكلي ضروري في قطاع الكهرباء وتفعيل الجباية وضبط الهدر في بعض جوانب الإنفاق، لكن من دون المس بالرواتب ولا فرض ضرائب جديدة.

لكن الانطلاقة الفعلية لمرحلة الإنقاذ، يجب أن تكون في الاستجابة لمطالب الانتفاضة، والتخلي عن الاستبداد وعن المماحكات الإلغائية، والشروع في إنتاج قانون جديد لإجراء انتخابات مبكرة بموجبه.