Advertise here

نحو العقلانية السياسية التي لا بدّ منها

19 شباط 2020 14:51:05

قال المعلّم كمال جنبلاط: "لايمكنكم أبداً تغيير العالم. ما يمكنكم الوصول لتغييره هو أنفسكم. وعندها، ومع الوصول إلى هذا الهدف سوف ترون أنّ كلّ شيء منتظمٌ في مكانه". 

  من المفيد جداً في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان أن لا يحسب كلّ من تسلق ثورة الجياع والموجوعين، والطيّبين، أنه قد تسلّق جبلاً، أو أنه ثائرٌ لايشق ّ له غبار، ولا يستكين له قرار.

بعد كل هذه الحملات المشبوهة، والمعلومة المصادر، على الحزب التقدمي الإشتراكي، ورئيسه وليد جنبلاط، بتنا في عجبٍ واستغراب. لماذا؟

هلّا عدتم قليلاً إلى تاريخ هذا الحزب، وكان لديكم شيء من الواقعية، ومن العدل في الحكم عليه؟ هل وليد جنبلاط هو المسؤول الوحيد عن كل ما جرى منذ ما بعد اتفاق الطائف؟

هل تحولت ضمائر بعضكم إلى مجرد نقيق ضفادع، دون أن تتبيّنوا الحقيقة، أو أنها مجرد كلمات هوجاء تتردد على ألسنتكم دون وازعٍ من ضمير؟

بصراحة : ازداد عدد اللبنانيين المتسائلين: ماذا يريد بعض هذا الحراك، أو بعض من يديرون هذا الحراك؟! من التسديد الممنهج على سياسيٍ وحيد من سياسيي هذا البلد، دون الأخذ بعين الاعتبار  كل ما حدث طيلة السنوات الماضية، وصولاً إلى سنوات هذا العهد الفاشل بكل المقاييس...

في السياسة، وفي الثورات الحقيقية، يترك المرء هوامش إيجابية للنقد السياسي البنّاء. إلّا أن ما يثير الاستغراب هو الاستمرار في سياسةٍ أقلّ ما يقال فيها أنها تستند إلى وقائع غير مقنعة ومركّبة، ومفبركة، وهي تُظهر بشكلٍ لا يرقى إليه الشك بأنها سياسة الأحقاد والافتراء، والتنكّر المقصود لتاريخٍ من النضال الوطني العربي والإنساني منذ تأسيس الحزب التقدمي الإشتراكي بزعامة كمال جنبلاط، وصولًا إلى مرحلةٍ من النضال بزعامة وليد جنبلاط  من أجل حماية هذا الوطن، وبقاء هذا الوطن بكل الوسائل... حتى يومنا هذا.

كذلك تبدو سياسة ونهج الحقد والافتراء كأنها، ومن دون أدنى شك، مجرد أوهام، وتصورات ومخطّطات، وتحركات لاعبين (ليسوا بمجهولين) أكبر بكثير من اللّاعبين الصغار، مع وافر الاحترام،  في ساحات التظاهر والشغب، وقد أتقن بعضهم العنف والشتم، والقدح والذم بأقذع العبارات، وبأكثر الكلمات خروجاً عن القواعد الأخلاقية والقيَم، لترتسم أكثر من علامة استفهام حول غاياتهم، وارتباطاتهم، وخلفياتهم الحزبية التي نعرفها جيداً، ونعرف أولئك الذين ينخرطون في تحرّكٍ ظاهره ثورة وباطنه تحركٌ سياسي متداخل المصالح والطموحات الشخصية، والتصورات والمناورات التي تتجاوز مشاعر وأحاسيس الأبرياء، والمطالبين بصدقٍ بالإصلاح والتغيير.

نستمع إلى كل من يسيء إلينا وإلى حزبنا طوراً، ونعود إلى التاريخ طوراً آخر. ونستعيد تلك اللحظات التي كنا ندافع فيها عن هذا الشعب في هذا الوطن، وما نزال نناضل من خلال البرامج العديدة التي طرحناها في المجالس الحكومية والنيابية المتعاقبة، ونعّبر كلنا، كإشتراكيين، عن استعدادنا للمتابعة حاملين سلاحنا الفكري العقائدي والإنساني، سلاح الثقافة، والأدب، والتطور والإيمان. ونحمل الشوق إلى التغيير الديمقراطي الحقيقي والعادل في مختلف الميادين بما ينعكس تطوراً، وإنماءً حضارياً، على مساحة كل هذا الوطن بكل أطيافه، ومشاربه، ومعتقداته، مؤمنين كما دوماً بأن إمكانيات الخلاف والانقسام والتصادم تصبح أقل احتمالاً بعد الوصول إلى التفاهم الفعلي المنطقي العقلاني على حاضر ومستقبل الوطن دون اللجوء إلى العنف (حيث العنف لم يجدِ نفعاً في بلدٍ يتألف من 18 طائفة).

نستمع ونقرأ، ونحترم حرية الرأي والتعبير. لكن هناك الكثير من عبارات التجنّي، والكثير من ترّهاتٍ لا تقارَن بها الأساطير والخرافات، والتي تكاد أن تبلغ مستوى غير مسبوق من التوحّش.

بصراحةٍ أكثر أقول: أيها الأصدقاء الأبرياء، عودوا إلى رشدكم، واكتشفوا، واكشفوا دون خجل مَن هم المحرّضون خلف الأبواب المغلقة، ومَن هم الذين يختلقون الأكاذيب في الأماكن الموصدة إلّا على أهدافهم التخريبية المبيّتة.

واعلموا أن مَن يحركون الشارع في الخفاء، بقيادة وبإدارة وتوجيه مَن يخشون الظهور إلى العلن، والذين يدّعون أنهم لا يمثّلون إلّا أنفسهم، وهم يمثّلون عليكم، ويخدعون ذوي النوايا البريئة النظيفة، كمن يسيرون في شوارع شحيحة الإضاءة في زمن انفجار الأحقاد والعداوات، والتخرّصات على أنواعها، والتي انتشرت كالهشيم لغاياتٍ في نفس يعقوب (أو يعقوبيات)، حيث أصبحت الأوضاع المالية والاقتصادية ثقيلةً كالصخور على كل المواطنين.

أخيراً، ليس من قبيل المصادفة أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في وطننا العزيز. والمتربصون به كثر في الداخل والخارج ينتظرون أن تتصدع جدران هذا الوطن الصغير، من السقوف العالية الجميلة إلى الدعائم...

لا شكّ أن الأوضاع السياسية تغيّرت. فهل يمكن أن نترك جانباً تلك الكراهية التي تفشّت وتزايدت، وأن نستوعب فداحة ما يجري أمام أعيننا من انقسامٍ مدمر... وانهيارٍ لا سابق له، لكي نعود لنتعاون كلنا، ونضع أيدينا بأيدي بعضنا بعضاً جميعاً، ولنحاول معاً تغيير هذا النظام السياسي، سلمياً وديمقراطياً، للوصول إلى هذا النظام الديمقراطي العلماني المنشود، والذي يمكن أن يجمع ويوحد أبناء هذا الوطن.

السياسة العقلانية تفترض قليلاً من الصبر والتأني، والتفكير بواقعيةٍ وجرأة. ولا يفيدنا الآن كثيراً النظر إلى الماضي، بل توجيه الاهتمام نحو المستقبل، والحوار والانفتاح من أجل التغيير، وتجديد بناء المجتمع والإنسان في هذا المجتمع على أسسٍ ديمقراطية متينة، وأن لا ندع الفوضى تدب أكثر في المجتمع اللبناني كالمرض في الجسم.