Advertise here

سوريا ولبنان وهاجس انتظار العدالة

18 شباط 2020 10:38:12

في كل يوم من تاريخنا الحديث ذكرى شهيد أو مجزرة ارتُكبت على يد نظام الأسد، وفي القرن الحادي والعشرين لا تزال العدالة غائبة، لا بل تعلو أصوات من هنا وهناك لإعادة تعويم نظام الأسد باسم العودة إلى «الاستقرار»، ولا استقرار بمفهوم الأسد إلا بالصمت أو القبر
دخلوا على دماء كمال جنبلاط ورفاقه وخرجوا على دماء رفيق الحريري ورفاقه... عبارة قالها قبل أعوام رئيس الحزب الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط. واليوم مع حلول الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، ما زال اللبنانيون ينتظرون العدالة، وإن كانت العدالة بمرارة الحقيقة.
في لبنان اغتال نظام الأسد حافظ وبشار، الكثير من الأبرياء والسياسيين والرؤساء والصحافيين ورجال الدين، ولكنهم لم يشبعوا يوما من الدماء، فلطالما كانت وسيلتهم لتثبيت حكمهم في سوريا ولبنان هي القتل.
يكاد المرء يقف عاجزا عن تعداد عمليات الاغتيال السياسي التي وقف خلفها النظام السوري. فاغتيال المعارضين أو أصحاب الرأي المختلف سمة من أبرز سمات نظام الأسد، ووسيلتهم الأنجح والأكثر استعمالاً، كيف لا وهم لم يُحاسبون يومًا على جرائم الاغتيال التي ارتكبوها.
لم تكن سوريا وحدها مسرحًا لعمليات الاغتيال التي قام بها نظام حافظ الأسد، فقد لاحق معارضيه أينما كانوا، فاغتال اللواء محمد عمران، صديقه والذي كان شريكه أيضا بانقلاب عام 1963 في بيروت في العام 1972، واغتال بنان الطنطاوي زوجة عصام العطار في ألمانيا عام 1981 عندما لم يجد رجالاته زوجها في المنزل، أما الاغتيال الأبرز فهو اغتيال صلاح البيطار، أحد مؤسسي حزب البعث ورئيس وزراء سوريا مرتين، في فرنسا في العام 1980. بعدما رفض البيطار محاولات الأسد إقناعه بالعودة إلى دمشق لإحداث توازن مع الجناح العراقي للحزب بعد رحيل ميشيل عفلق إلى العراق.
كذلك لم يكن السوريون وحدهم المستهدفين بالاغتيال، بل لطالما اعتبر حافظ الأسد أن لبنان ساحة مباحة له، ولطالما عاقب كل من لم تعجبه سياسته بالاغتيال، من اغتيال كمال جنبلاط العروبي الذي رفض دخول السجن العربي الكبير، إلى اغتيال رفيق الحريري العروبي الذي انتفض على هيمنة بشار الأسد على جميع مفاصل الحكم في لبنان.
وقبل أيام من الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال رفيق الحريري، مرت الذكرى الثامنة والثلاثون لمجزرة حماه، المجزرة التي ارتكبها حافظ الأسد وشقيقه رفعت بحق مدينة بأكملها، دكوا المدينة بالمدفعية وشددوا الحصار عليها، وبقيت لأسابيع تتعرض للقصف والتنكيل، ولا رقم موثقا حتى اليوم لعدد الضحايا، ولكن المؤكد أن العدد فاق العشرين ألف شهيد. مرت الذكرى الثامنة والثلاثون لمجزرة حماه على يد الأسد الاب في الوقت الذي تقترب فيه الذكرى التاسعة لبدء المجزرة السورية المستمرة على يد الأسد الابن، ولا شيء سوى القتل، تعذيبا وتجويعا وباستخدام البراميل والكيماوي، واستقدام المرتزقة من إيران وميليشياتها من لبنان والعراق وغيرهما. في كل مجزرة ارتكبوها في سوريا برروا أنهم يحاربون الإرهاب، ولكن هل من عاقل يصدق أن من أرسل الإرهابيين إلى العراق و«فتح الإسلام» إلى لبنان معني حقًا بمحاربة الإرهاب؟ وفي كل اغتيال ارتكبوه، أنكروا جريمتهم وقالوا: إن الإرهاب وراء الاغتيال، فما هو هذا «الإرهاب» الذي لا يطال إلا من يُعارض الأسدين؟
في السابق قبل اندلاع الثورة السورية، كان بعض المراقبين ينظرون إلى سوريا كبلد ينعم بالاستقرار، ولكنه في الحقيقة استقرار يُشبه سكون القبور.
ففي كل يوم من تاريخنا الحديث ذكرى شهيد أو مجزرة ارتُكبت على يد نظام الأسد، وفي القرن الحادي والعشرين لا تزال العدالة غائبة، لا بل تعلو أصوات من هنا وهناك لإعادة تعويم نظام الأسد باسم العودة إلى «الاستقرار»، ولا استقرار بمفهوم الأسد إلا بالصمت أو القبر. فهل تكون العدالة هي اتباع ما قالته الحكمة الصينية «لا تنتقم... اجلس على حافة النهر وانتظر.. وذات يوم سوف يجيء التيار حاملاً معه جثة عدوك»؟ وهل يتحمل العالم نظاما يرمي البراميل المتفجرة على شعبه، ويرسل مجرميه إلى ما وراء الحدود ليعيثوا قتلاً، كما أرسل أطنان المتفجرات إلى بغداد وبيروت؟