لا ثقة لحكومة من قبل المواطنين الخائفين من كل شيء... لا ثقة من كتل نيابية ونواب مستقلين بغض النظر عن حجم تمثيلهم الشعبي أو تموضعهم السياسي... لا ثقة من المجتمع الدولي أو من الأصدقاء... لا ثقة حتى بين مكونات الأكثرية النيابية وأركان العهد.. فعن أيّة ثقة، ولو حصلت عليها الحكومة، يتحدث الفريق الحاكم في لبنان؟
لم تأت التشكيلة الحكومية بحجم الأزمة الكارثية التي تمر بها البلاد، بغض النظر عن بعض الوجوه ذات السيرة المهنية الحسنة، بل هي أشبه بحكومة موظفين ممتازين يديرها في الشكل رئيس تم اختياره بعناية وخبث، ويتحكم بقراراتها في الظل كل من قائمقام رئاسة الجمهورية ووريث نظام الوصاية السابق.
مضمون البيان الوزاري، كان صادماً للغاية وفارغاً من أي مضمون.. فإلى كونه لم يضف شيئاً ذا قيمة في الشق السياسي، جاء الشق الاقتصادي - الاجتماعي ليؤكد أن لا تغيير جدّياً في سلوك الطبقة الحاكمة، ولا خطة واضحة لديها لوقف التدهور الحاصل ووضع البلد على سكة الانقاذ.. فالحكومة المسماة شكلاً بحكومة الاختصاصيين، لم تفلح في صياغة بندٍ واحدٍ بشكل علمي ومتخصص!
الخطوات الإصلاحية الجدّية والملزمة والواضحة، التي ينتظرها الناس في الداخل ومن تبقى من داعمين محتملين في الخارج، قاربها البيان الوزاري بشكل إنشائي سخيف خاصة في الملفات الأساسية حيث تتركز مزاريب الهدر وسوء الادارة والصفقات الكبيرة كقطاع الكهرباء والتهرب الضريبي والمعابر الشرعية وغير الشرعية... إضافة الى غياب أية رؤية عملية لدعم القطاعات الإنتاجية وحمايتها.
أما على مستوى الجسم القضائي، والذي يشكل نقطة الإرتكاز في محاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة، والأهم في أنه الركن الأساسي لانتظام عمل مؤسسات الدولة واستعادة الامل والثقة بها، فمن الواضح أنه لا يوجد أي بوادر جدّية لحمايته من استباحة السلطة في التدخل بشؤونه الداخلية واستغلاله في خدمة مصالحها الفئوية الضيقة وفي حماية المرتكبين المجهولين – المعلومين من اتباعها.
فترة السماح التي منحتها بعض القوى السياسية وجزء من الشارع لهذه الحكومة أضحت بلا قيمة فعلية، فحالة الإنكار الكبيرة والوقاحة الموصوفة التي يعيشها أركان العهد وأصحاب الحل والربط انعكست تشبثاً غير مسبوق في الإمعان بالانتهاكات والمضي قدماً بنفس المنطق السياسي والممارسة في الحكم وسوء إدارة الدولة... وكأن الأمور تسير على خير ما يرام.
التخبط الكبير يبدو جلياً في مقاربة الاستحقاقات المالية المتوجبة على الدولة وأبرزها تسديد سندات اليوروبوند التي تستحق في شهر آذار والتي تناهز قيمتها المليار ومئتي مليون دولار أميركي. إجتماعات متتالية، استشارات دولية، بيانات تطمينية. مع اتجاه لدى السلطة الى تسديد هذا الدين في ظل غياب لأي برامج إنقاذية ولأي خطة للإدارة المالية للدولة، وبهدف وحيد هو تجنب تقليص الثقة الائتمانية بالمصارف وتخفيض الوكالات الدولية لتصنيفها في حال الامتناع عن التسديد، ليس أكثر. الثقة التي منحت لهذه الحكومة إجراء شكلي وتفصيلي مفيد مرحلياً لكنه غير ذي قيمة. المعضلة الكبرى تكمن في فشل الدولة بكل مؤسساتها في نيل ثقة المواطنين. ولا سبيل لاستعادتها الا بإعادة تشكيل السلطة من جديد عبر الانتخابات النيابية المبكرة، ووفق قانون يرتكز على تأمين صحة التمثيل وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية وتخفيف حدة الشحن المذهبي. هذا هو المعبر الاساسي والوحيد لبدء الثقة بين المواطن والدولة.