Advertise here

انتفاضة العراق ومخاطر الحركة الارتدادية الإيرانية

17 شباط 2020 09:00:00 - آخر تحديث: 17 شباط 2020 11:49:55

واجهت الانتفاضة الشعبية العراقية منذ انطلاقتها أول تشرين الأول 2019 العديد من الثورات المضادة والحركات الارتدادية، بتنظيم من السلطة الموالية لإيران، حيث لم تنجح القوى الأمنية التي تعاملت بقسوة مع المحتجين، في كسر عزيمتهم وإرادتهم من الاستمرار بانتفاضتهم حتى تحقيق المطالب، كما لم تنجح محاولات استخدام الشارع الموالي لإيران وميليشيا الحشد الشعبي مقابل الشارع المنتفض، كما لم تنجح محاولات الترهيب في فض الاعتصامات ولا في وقف التظاهرات التي مارستها جماعات بوجههم.
 
إلاّ أن المواجهة الإيرانية الأميركية المتصاعدة والتي أخذت منعطفاً جديداً بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، دفعت ايران الى تغيير أسلوب المواجهة في التعامل مع الوقائع في دول المنطقة التي تتمدد فيها أذرعتها، لا سيما العراق على اعتباره البوابة الأساسية الى الخليج العربي، من جهة، وإلى لبنان حيث المياه الدافئة وحدود الصراع مع إسرائيل من جهة ثانية، فسعت ولا تزال إلى ترتيب جبهتها الداخلية والقضاء على الانتفاضة الشعبية وتعزيز موقع قوتها في بلاد ما بين النهرين، بوجه الوجود الأميركي الذي فتح لها طريق الإمساك ببغداد بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، وحل الجيش العراق الذي واجه القوات الإيرانية لسنوات عدة.

في هذا السياق كشف مصدر سياسي عراقي مطلع لـ"الأنباء"، أن المسعى الإيراني يعمل على اتجاهين، الاتجاه الأول "عقد مصالحة بين نوري المالكي أمين عام حزب الدعوة ورئيس ائتلاف دولة القانون، وبين مقتدى الصدر زعيم أكبر تيار شعبي شيعي زرئيس كتلة سائرون النيابية، وذلك بعد أن وصلت طهران الى نتيجة مفادها أنه لا يمكن تشكيل جبهة سياسية تحافظ فيها على مصالحها وعلى الطبقة السياسية الحاكمة منذ العام 2008 وبناء سد منيع بوجه الثورة الشعبية، التي انطلقت من داخل الطائفة الشيعية، دون عقد هذا التحالف".

وقال المصدر العراقي: "علينا النظر الى العقل الإيراني وكيفية عمله لتحقيق هذه المصالحة، بحيث أن المالكي وحزب الدعوة هما الواجهة القوية لمصالح الأحزاب والقوى الاقتصادية الشيعية، وفي نفس الوقت يشكل تيار الصدر الخزان الشعبي للأصوات الانتخابية الشيعية، والتي مكنت الصدر من ممارس لعبة الابتزاز المكشوف، مستفيداً من علاقاته الحسنة مع المرجعية الشيعية الأكبر (السيد علي السيستاني)، وعلاقاته العميقة جداً مع قم في إيران، والتي لا تمكنه الخروج عن سقف تلك العلاقة مهما حاول اخذ مساحة مستقلة عنها، أو تقديم نفسه على أنه شخصية وطنية عراقية".

ويضيف المصدر أن "العقل العميق في السياسة الإيرانية يعمل على بلورة هذا التحالف، بعد أن نجح حيدر العبادي، بدعم أميركي من شق حزب الدعوة وتقاسم نوابه بينه وبين المالكي والخروج منه بكتلة نيابية وازنة "كتلة النصر" التي يرأسها، لذلك ينشغل الإيرانيون في تشكيل هذا التحالف القوي، الذين يعتبرونه بمثابة القوة الإيرانية السياسية الضاربة في العراق". 

في هذا الإطار أوضح المصدر أن الخلافات العراقية - العراقية لا سيما بين حلفاء إيران قوية جداً، وهي تعيق تشكيل الحكومة الجديدة التي تواجه ضغوطاً يقودها "تحالف البناء" المدعوم من إيران بزعامة هادي العامري من أجل الحصول على أربع وزارات هي الكهرباء والنفط والداخلية والاتصالات، فيما أوصل زعيم التيار الصدري رسالة عبر أحد مساعديه البارزين إلى الرئيس المكلف، مفادها أن الحكومة الجديدة لن تمر ما لم تتوافق مع رؤية الصدر، وأنه لن يسمح بوصولها الى المجلس النيابي، حتى إذا وافقت عليها جميع الكتل النيابية.

والاتجاه الثاني في المسعى الإيراني، يتمحور حول المحافظة على النفوذ القوي لإيران في البرلمان العراقي الحالي، وليس داخل الكتل الشيعية فقط، بل أيضاً ضمن الكتلة السنية، باستثناء الكتلة الكردية.

فهذا البرلمان الذي صادق على قرار خروج قوات التحالف الدولية بعد عملية اغتيال قاسم سليماني وصحبه، لن يسمح بإقرار قانون انتخابي جديد، لا يعيد إنتاج المعادلة السياسية والتشريعية الموالية لإيران، ولذلك رأى المصدر ان "إعادة مقتدى الصدر وكتلته النيابية الى الحلف الإيراني، يضعف المعارضة النيابية في المجلس، على اعتبار ان الكتلة النيابية السنية منقسمة بين جزء موالٍ لإيران، وجزء آخر موالٍ لواشنطن، والكتلة الكردية لا توافق على أي قانون انتخابي يسعى الى دمج وتوحيد العراق".

وأوضح المصدر العراقي ان الاتجاه الإيراني في هذا السياق "يهدف الى ضرب احد أهم مطالب الثورة الشعبية العراقية، وهو إقرار قانون انتخابي جديد يعيد بلورة الهوية الوطنية العراقية، والتي يفتقدها المجلس النيابي الحالي، مع بعض الاستثناءات، التي لم تتمكن من جمع نواة نيابية تحمل لواء الهوية الوطنية العراقية وتشكل رافعة عراقية وطنية في مواجهة إيران تخترق المجالات والفضاءات الطائفية وتعيد اللحمة بينها لا سيما السنية – الشيعية – الكردية".

ولفت المصدر إلى أن "الإدارة الأميركية، وعلى الرغم من موقفها الرافض للدور الإيراني في العراق، وسعيها للحد من هذا النفوذ، هي أيضاً تعارض صياغة قانون انتخابي يعزز الهوية الوطنية العراقية، والدور الأميركي مازال يحمي ويغذي النزاع الطائفي والخلاف بين الهويات (الكردية والسنية والشيعية)، والأميركي نفسه هو الذي حطم الهوية الوطنية، ولن يكون رافعة لها"، وخلص المصدر الى القول إن "الاستنتاج في رسم صورة العراق الجديد على أنه دولة وطنية جامعة للهويات العرقية والطائفية، هو استنتاج متسرع وغير موضوعي، فالعراق الآن يحتاج الى نفض غبار الولاءات الخارجية وبلورة نواة دولة مستقلة ذات سيادة وطنية توفر العدالة الاجتماعية والحقوق الفردية لكافة أبنائها، مستفيدة من الثروة الوطنية والنفط العراقي، لتحقق تنمية مستدامة".