Advertise here

بين الاتفاقات والثورة

16 شباط 2020 12:13:00 - آخر تحديث: 16 شباط 2020 12:53:08

من المؤكّد أن هذا العنوان لا يعني قطعاً اتفاق الطائف، وهو الدستور الذي اتفق عليه اللبنانيون، وانتهت بموجبه الحرب الأهلية. ما نقصد بالاتفاقات تلك التي عقدها التيّار الوطني الحر مع قوى أساسية، ونقضها تباعاً، الّلهم تلك التي يستطيع نقضها. 

أول اتفاقاته كان اتفاق مار مخايل، وهو ما عُرف بتفاهم مار مخايل. هذا العنوان أعطى بعداً أكثر من اتفاق، بل كان تفاهماً بين الحلفاء ارتبط به، وحصل بموجبه على  رئاسة الجمهورية. ويكفي أن نستذكر وصف السيّد وفيق صفا لهذا التفاهم، "إن ما بين التيار والحزب ورقة تفاهمٍ لن تهتز. وما بين سماحة السيّد والعماد عون علاقةٌ فوق ورقة التفاهم، بل هي حالة وجدانية. وهذه العلاقة وُجدت لتبقى بالوعي والإرادة الموجودة بين الطرفين.

تفاهمٌ  عُقد عام 2006، وما زال ساري المفعول حتى اليوم رغم أن الصفقات المتتالية التي أبرمها التيار الوطني الحر لم تؤثر  على هذا الاتفاق الذي أعطى الغطاء المسيحي لسلاح المقاومة، بكل ما يحمله هذا التفاهم  من مواقف إقليمية وداخلية تراعيه، مقابل إطلاق يد التيّار في مؤسّسات الدولة  اللبنانية، يعيثها فساداً وخراباً، حتى وصلنا إلى هذا الوضع بعد ثلاث سنوات من حكم التيّار، والمستند على تفاهمٍ داخلي مع قوة عسكرية لها قاعدتها الشعبية، وتلعب دوراً أساسياً في التوازنات الداخلية؛ وقد أدّى هذا التفاهم، بعد وصول عون إلى بعبدا، إلى بعض التوتر في العلاقة غطّى عليها عنوان التفاهم، "لنا الرئاسة، ولكم شرعية السلاح". وكانت الثورة. 

الاتفاق الثاني، وهو اتفاق معراب الذي كان عنوانه "أوعا خيّك". وكان الدليل  على توافقٍ طائفي بامتياز بين قوّتين مارونيتين رشّح بموجبه الدكتور سمير جعجع العماد  ميشال عون لرئاسة الجمهورية، مقابل الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أُقرّت في “الطائف”، ودعم الجيش لبسط سلطة "الدولة وحدها" على كامل الأراضي اللبنانية.

إعلان النيّات هذا  أُبرمَ عام 2015، وجاء العماد رئيساً للجمهورية بعد فراغ دستوريٍ دام سنة ونصف. ثلاث سنوات مرّت وانتهى إعلان النيات بشرط "قوم بوس تيريز"، والذي لم يتحمّله الدكتور جعجع، فنفض التيّار يده منه، وكانت الثورة. 

وأخيراً جاءت التسوية الرئاسية، وهي حصيلة التقارب بين التيّار الليموني والتيّار الأزرق. هذه التسوية التي وُلدت ميتة، ما عدا تولي الحريري رئاسة الوزراء، وكان موتها بسبب تسلّط التيّار الوطني على بنودها دون أي تنفيذ، إلى أن أعلن الرئيس الحريري نهايتها، وذلك بعد أربعة أشهرٍ من الثورة. 

بعد هذه الاتفاقات نجد أن الثورة قامت بالأساس على ما سبّبته هذه الاتفاقات من مآسٍ للوطن، واختزلت فيه هذه القيادات نبض الشارع في تفاهمٍ  مع حزب الله، وإعلان نيّات مع القوات، وتسويةٍ مع المستقبل. هذه الاتفاقات التي لم تكن إلّا مسكّناً لآلام الشعب اللبناني، ولم تكن أدوية شافية، لأن التيّار الوطني أسقطها، ولم يصمد إلّا التفاهم مع حزب الّله الذي يشكّل الضمانة الوحيدة له في عدم الاكتراث لمطالب شعبه، وكانت الثورة.

(*)عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي