Advertise here

ما أحوجنا اليوم لرفيق الحريري

13 شباط 2020 21:28:00 - آخر تحديث: 13 شباط 2020 22:24:46

عندما قرأت، ثم استمعت، للبيان الوزاري لم أستطع تمالك نفسي والتعبير عن جمالية إنشائه، وكيف استطاعوا حشر كل هذه المواضيع، حتى لأكاد أقول بالمختصر أنهم يَعِدوننا بكل ما يطالب به الحراك، بل وكل ما غاب عن بالهم وبالنا أيضاً. فالوعود التي يحتاج تنفيذها بين مئة يوم في المرحلة الأولى، والثلاث سنوات في المرحلة الثالثة، ستنتقل بنا وبالبلد إلى عالمٍ آخرٍ جميل جداً، فاطمئنّوا أيها اللبنانيون!!...

لكن الأهم أنني تيقنت من أمرين، الأول: أنهم في صدد تحييد لبنان عن الحروب والإلتزام بسياسة النأي بالنفس!! لكنها ليست وعوداً جديدة ولم يلتزموا بها في الماضي. وطبعاً مقاومة اللبنانيين لرد أي عدوان محتمل يأتي من العدو الإسرائيلي في الجنوب، أو أي عدوان "إرهابي" من أي جهة كانت، أيضاً لا جديد فيها.

والأمر الثاني، ولعله الأهم، هو في الوضع الاقتصادي، فإذا "فهمت عن جد" توجهات الحكومة، وقد أكون مخطئاً!! فهم يدْعون لقيام ورشة إصلاح القوانين وتطوير التشريعات والاستعداد، لعلّ وعسى تتكرّم الدول المانحة بتنفيذ وعودها، وتأمين القروض الميسّرة التي وعد بها مؤتمر CEDRE وغيره.. أليست هذه سياسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟! الحريرية السياسية التي لم ينفكّوا عن التهكم بها؟!

نعم لستُ مخطئاً، ولا أنتم مخطئون. ما أحوجنا لورشة إعمار. ما أحوجنا لحريريةٍ سياسية جديدة. وكما قام رفيق الحريري ببناء وتطوير المطار، وتأتي الثانية لتوسيعه وإعادة تطويره. 

وكما قامت الحريرية السياسية الأولى ببناء الأوتوسترادات والجسور، لا سيّما أوتوستراد بيروت - الجنوب، وبيروت – الشمال، وبيروت - ضهر البيدر - المصنع (طريق الشام)، تأتي الحريرية الثانية لتعيد ترميمها، وتحفظ أمنها وسلامة تنقّل اللبنانيين عليها صيفاً وشتاءً.

وكما قامت الحريرية الأولى ببناء الجامعة اللبنانية، وشيّدت عشرات، بل مئات، المدارس والثانويات ودور العبادة، تأتي الحريرية الثانية وتبني من "القبع ربع"، وسنقدّرها ونحترم تاريخها ونحافظ عليها، بل وسنحميها، الأمر الذي لم يحصل مع الرئيس رفيق الحريري فسقط غدراً في 14 شباط 2005.

وعزاءنا أننا كنّا من الذين ثار ثائرهم، واستطاعوا إكرام الكريم، والصديق، والرفيق "رفيق الحريري"، بل أكثر عزاءنا أننا كنّا من الذين قدّروا واحترموا، وكانوا شركاءه في المصالحات، وفي الإعمار والإنجازات، وحتى في التضحيات. فتحية لروح رفيق الحريري ومعه كل الشهداء الشهداء، من سياسيّين ومفكرين وأشخاص عاديين، وتحية إلى الشهداء الأحياء، مروان حمادة، مي الشدياق، الياس المر، وكل الجرحى...
لكن لم تقل لنا الحكومة ماذا تريد من هذه الحريرية الجديدة، أن يدعونها تبذل جهدها، وتوظّف أموالها ويأكلوا أرزاقها، ثم يطعنون بها؟ ويحرقون سلّافها ويسترسلون في لعن تاريخها؟ وأي مستقبلٍ سيبنونه معها، وكيف؟ هل باستجداء الحروب بين الفينة والأخرى؟ وكيف سيعيدون الأمن والاستقرار الاقتصادي؟ باستعداء الدول العربية؟ والتعرّض لحاكم مصرف لبنان؟ والبنوك، وكل النظام الاقتصادي؟ - دون أن يعني ذلك عدم وجود ملاحظات على كل هذه السياسات، - ولكن السياسيين يأخذون القرارات، وهم أنفسهم يشاركون بالحكومات وبكل تفصيل من خلال ثلثٍ معطّل كبّلَ حكومات الرئيس سعد الحريري، كما غيرها من الحكومات، واستثمر في مناكفاتٍ ومحاصصات، ثم يبرِّئون أنفسهم، وكأن بعضهم يظن أنه لا زال في منفاه الباريسي، وآخر أنه ما يزال على الحدود الجنوبية؛ وفاتهما معاً أنهما أصحاب القرار لذاك الثلث المعطل اللعين الذي عطّل البلد، وأطاح بكل محاولات الإصلاح، واستباح المؤسسات، ليس أقل مما كان يفعل النظام الأمني اللبناني - السوري قبل انسحابه من لبنان. وفاتهما أنّهما معاً رسما السياسة الخارجية التي أخرجت لبنان عن المسار السليم، وأحرجت رئيس الحكومة السابقة سعد الحريري، ومعه كل اللبنانيين مع أصدقائنا العرب والأجانب، والذين نستجدي شفقتهم اليوم علّهم يكرمون، دون أن نسمع كلمة اعتذارٍ واحدة ممن أساء لهم مراراً وتكراراً.

نعم يا سادة، ما أحوجنا لحريريةٍ سياسية جديدة لا تُطعن في ظهرها، كما حصل مع الحريرية الأولى من مواجهات وصدامات. ولو لم تحصل تلك "الخيخنات" لكانت بيروت اليوم، كما دبي، وكما قطر، عروس البلاد المتطورة؛ وهي كذلك إذا نظرنا إلى إنجازات رفيق الحريري في السنوات التي خلت، ولا تزال عرضة تهكم عديمي البصر والبصيرة، ولكانت سوليدير Solider مفخرة اللبنانيين، وبخاصة أصحاب العقارات والتي قد يكون بعضهم لم يحقّق الاستفادة التي وُعد بها. ولكن، أليس سوء ظن هؤلاء الشركاء أنفسهم، هو أحد أهم وأقوى الطعنات التي تلقتها "سوليدير" نفسها. وإذا ما ردّدنا المثل القائل: "ألف عدو خارج البيت، ولا عدو واحد في داخله"؟ فكيف إذا كان أعداؤها كثر؟ ولن ننسى أيضاً ما تعرّض له عددٌ كبير من المستثمرين من ضغوط وفتاوى منعتهم من المشاركة في إعمار لبنان.

ختاماً، لا أجد ما أقوله كي ترتاح روح رفيق الحريري في ذكرى استشهاده الـ 15، وغداة نيل حكومة الغفلة "الثقة"، إلّا كلمةً واحدة. اخجلوا أيها المكابرون. اخجلوا أيها المتاجرون بالبلاد والعباد.

 

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.