Advertise here

مزايدات مقاطعة الجلسة خدمت الحكومة... ولبنان الكبير يتغيّر

12 شباط 2020 05:30:00 - آخر تحديث: 12 شباط 2020 12:53:44

هناك دائماً مَن يدير اللعبة بشكل خاطئ. يرتكب الأخطاء ولا يتعلّم منها، فيضعها في حساب خصومه. ولو أديرت اللعبة السياسية من داخل المجلس النيابي بشكل صحيح، لتمكن معارضو حكومة حسان دياب من إسقاطها، بلا أي عراضات بهلوانية. لو حضر 128 نائباً، لوجب على الحكومة الحصول على 65 صوتاً لنيل الثقة. وهي بالفعل حصلت على 63 صوتاً، ما يعني أنها كانت قد سقطت، وبقيت حكومة تصريف أعمال، ما يفرض إجراء إستشارات نيابية ملزمة جديدة لتكليف رئيسٍ جديد لتشكيل الحكومة.
 

إلّا أن هناك من يغرق في بطولاته الوهمية، فيسعى إلى مقاطعة الجلسة، بشكلٍ يحرم نفسه من التأثير، ويجعل الآخرين يقرّرون عنه. هذا ليس الخطأ الأول من نوعه الذي ترتكبه جهات سياسية، والتي لا يزال أمامها الكثير من الفرص لوضع الخصوم أمام مسؤولياتهم، خاصةً وأنهم أصبحوا خارج الحكومة، وبالتالي فإن الطرف المشكّل للحكومة الجديدة، هو الذي يتحمل وحده مسؤولية ما سيجري، وما سيواجهه لبنان منا استحقاقات داهمة. عندها لن يتمكن الفريق الذي يعرف دائماً كيف يتهرب من المسؤولية، ويلقيها على الآخرين، من تكرار هذا السيناريو المفضوح، والآن هو وحده في السلطة وليس هناك من يعكر عليه صفوه.
 

الحكومة عملياً سقطت في السياسة وفي الشارع، فهي لم تنل نصف عدد مجلس النواب فعلياً، وحصلت على الثقة تحت وطأة تظاهرات شعبية هائلة كانت تسعى لإقفال مداخل البرلمان، ومنع النواب من الوصول إليه في مشهدٍ لم يألفه لبنان في تاريخ، وسيؤسّس إلى حقبات جديدة على طريق طويل، فيه الكثير من العقبات والصدامات.


الأهم، لم يعد يتعلق الأمر بتفاصيل جلسة الثقة وما رافقها، والأزمة في لبنان تتخطى تشكيل حكومةٍ من لونٍ واحد، أو وحدة وطنية. الأزمة أعمق وأعقد. لبنان كله يتغيّر. والعهد الذي جاء بفعل تسوية العام 2016، ينهي لبنان الكبير. وما الحديث عن لا- مركزية موسعة مالياً وإدارياً إلّا خير الدلائل على تصغير الكيان، واستفاقة نظريات تخريبية، لا تنفصل عن الصراع الذي فتحه هذا العهد مع نفسه وشركائه في معركة الصلاحيات الدستورية في المواقع، وهذه وحدها كانت كفيلة بتعطيل الدستور وضربه، والتمهيد لفتح سجالاتٍ جديدة حول تعديل الدستور أو تغيير النظام.
 

سيكون لبنان مستقبلاً أمام انفجارات سياسية ومالية واجتماعية متعددة لن يكون تجاوزها بالأمر السهل، وستؤدي إلى تغييرٍ جذري في بنيته وتركيبته. تلك التركيبة لن تكون كما يشتهيها اللبنانيون، إنما ستنسجم مع عمليات التمزيق التي شهدتها الدول العربية في السنوات السابقة، هذا إذا لم يُحسن اللبنانيون، سياسيون ومتظاهرون، إدارة معاركهم تحت سقف الحفاظ على الدولة.