Advertise here

قمة عربية "بيضاء"

21 كانون الثاني 2019 14:16:18

كانت بيروت رائعة باستقبالها الأقطاب والوزراء العرب المشاركين في دورة "القمة العربية-التنموية-الإقتصادية-الإجتماعية" شمس ودفء، ولفحة ثلج من قرب، وموسيقى، وفرح، وثراء في المظاهر، ومواكب السيارات، في الزحمة، وعلى الأوتوسترادات، ويخوت تلمع في عرض البحر، و "مولات" تعج باللبنانيين وهم يلوّحون يالتحية والترحيب بالاخوة والأهل العرب.

وكل ذلك لا يحول دون إلتزام لبنان دوره في الإطار الإستراتيجي العربي، كما لا يحول دون الوعود باعداد روزنامات مكافحة الفقر، والبطالة، والكساد.

ولقد فرضت الدولة اللبنانية وجودها بكامل مؤسساتها الرسمية، الإدارية، والسياسية والأمنية، وكل ذلك من واجبها الطبيعي الذي لا تخطئ، ولا تقصر فيه، خصوصاً في المناسبات على مستوى الدول والقمم.

وإذ بدا الرئيس ميشال عون مرتاحاً في إدارته جلسة القمة اعرب عن التمني لو أن القمة جمعت كل الملوك والرؤساء والقادة العرب.

كانت هموم الوضع العربي العام طاغية في مداخلات الرؤساء والوزراء، وكانت أزمة سورية في محنتها المستمرة منذ نحو ثمان سنوات مجالاً رحباً لسرد المآسي لو سمح وقت القمة بذلك، وكان لا بد للبنان من التذكير بأن عدد الاخوة من النازحين بات يعادل نصف عدد السكان اللبنانيين، وقد تداخلت الأزمة السورية في الأزمة اللبنانية، وصولاً إلى أزمة الجزء الكبير من الاخوة والأهل الفلسطينيين.

وإذا صحت التحذيرات التي يطلقها كبار رجال الدولة، ورجال المال، والأعمال والإقتصاد، والخبراء، وأقطاب السياسة، وممثلو الأحزاب والنقابات، فان الخلاصة تشير إلى خطر إفلاس الدولة، والبلاد، ومؤسسات القطاع الخاص، وكما يبدو، ليس في الأمر مبالغة، خصوصاً ان الكلام المتداول ليس من صنع مؤسسات التنظير والتخمين، والتنجيم، بل هو من محاضر جلسات أهل الحكم، وأرباب المال، ومن الندوات المغلقة التي تُطرح فيها الأمور بصراحة، وبجرأة نادرة.

والظاهرة البارزة هي حل عقدة الخوف من المصارحة، فلم يعد الإقتصاد ذلك السحر، أو ذلك السر المقدس الذي لا يجوز البوح به، مهما بلغت علته، وتفاقمت حالته. وكانت النظرية السائدة تدعو إلى التستر على العيوب الإقتصادية، باعتبار أن كشفها والتشهير بها يؤدي إلى إنزلاق متدرج نحو الهاوية، في حين أن معالجة الوضع بالصبر والحكمة من شأنها أن تساعد في تجاوز الخطر.

وهناك نظرية تقول ان الاقتصاد اللبناني أقوى من الدولة، إذا كانت هذه النظرية صحيحة فهي خطر على الدولة، وعلى الشعب، وعلى كل مقومات الدولة والبلاد، وهذا كما كان يتردد في منتصف السبعينات من القرن الماضي، حيث ظهر خطر الإفلاس الإقتصادي وعمّ الخوف جميع قطاعات الشعب والمؤسسات وفي تلك المرحلة قال "مسؤول كبير": إذا كان هذا هاجس أصحاب الرساميل، والمصانع، ومؤسسات الإنتاج والخدمات، على أنواعها، فهؤلاء – حسب رأي المسؤول الكبير – "يستطيعون، في أسوأ الحالات، أن يغادروا لبنان، وان يتابعوا نشاطهم في حدود معينة في أي مكان من العالم". وأضاف ذلك "المسؤول الكبير": لكن الخطر الفظيع هو الذي قد ينجم عن توقف تلك المؤسسات، فيصبح مئات الآلاف من العمال والموظفين والمستخدمين في الشارع دفعة واحدة، دون عمل، ودون رصيد، في حين تكون خزينة الدولة قد شارفت على الفراغ، فتعجز عن دفع الرواتب لعشرات آلاف الموظفين، وهكذا تقع الكارثة التي يتحدث عنها الجميع الآن باختصار، في حين ان شرحها رهيب.."!

هذه وقائع من زمن لبناني مضى... لكن الواقع اللبناني الراهن لا يبدو بعيداً عن ذلك الزمن، فالشعب اللبناني في هذه المرحلة يتخيّل شكل، ولون، وصورة، وإسم ذلك الوزير المنتظر الذي تنتظره البلاد للخروج من العقدة المستعصية على الحل منذ تسعة أشهر.