Advertise here

قمة الخطيئة

21 كانون الثاني 2019 13:40:00 - آخر تحديث: 21 كانون الثاني 2019 13:52:51

نجحت القمة العربية الاقتصادية ولم تنجح، غاب من غاب وحضر من حضر، لكنَّها عُقدت وانتهت، وربما يكون هناك تفسيرٌ وتحليل لكلّ ما حصل فيها وما لم يحصل، لكنَّ أمراً وحيداً يحتاج إلى إجابةٍ وتفسير وتوضيح جدّي من أعلى السلطة ومن المسؤولين عن تنظيم المؤتمر.
ما هي الصفة التي دُعي بموجبها الشيخ ناصر الدين الغريب إلى حفل الافتتاح؟ ولماذا؟ وما هي المبرِّرات؟ بغضّ النظر عن احترامنا لشخصه الكريم ومَن يُمثِّلُ وجدانيَّاً واجتماعياً، إذ إننا نتكلَّم عن قمَّةٍ رسميَّة وليس عن حفلٍ خيريٍّ أو اجتماعيٍّ أو ما شابه.
إذا كان الأمر حصل خطأً فذاك غير مقبول إطلاقاً، من رأس القمة إلى أدناها، أمَّا إذا كان الأمرُ مقصوداً عن سوء فَهمٍ فهذا أدهى وأفدح، وأمَّا وأمَّا إذا كان مقصوداً عن سابق تصميمٍ وإصرار فتلك مسألةٌ تحتاج إلى إعادة النظر وتطرح العديد من الأسئلة، ومنها:
-    هل نحن نعيش في دولة القانون والمؤسسات أم في مزرعة القبائل والشبّيحة؟ هل هذا يدلُّ على العهد القوي، أم على عهدٍ ضعيف؟
-    هل يجوز في لبنان انتهاك حرمة طائفة من الطوائف من قبل أعلى سلطةٍ في الدولة، فتتجاوز القانون وتسخِّفه وتسيء إلى موقع التمثيل الأعلى للطائفة تلبيةً لغرضياتٍ وسياساتٍ حاقدة مشبوهة أو لضغوطاتٍ من هنا وهناك؟
-    ألا يعلم من وجَّه الدعوة إلى الشيخ الغريب بالصفة التي يدَّعيها أن الأمرَ ليس بهذه البساطة، إذ فيه إهانةٌ للدولة ولمجلس النواب ولرؤساء الطوائف الروحيين جميعهم ولأبناء طائفة الموحدين الدروز كلَّهم وللشعب اللبناني بأسره؟
-    هل نسي مَن أقدم على ارتكاب هذه الخطيئة أنَّه يساهم عن قصد أو عن غير قصد في هدم أُسس الدولة ومؤسساتها؟ فعندما لا يُحترَم القانون في مكانٍ ما، ولا سيّما في مثل هذا المكان الرمزي المقدَّر، فتلك خطوةٌ في طريق عدم احترام الدولة بكاملها، ولا شكَّ أنها تندرج في سياق السعي إلى هدم الدستور وزعزعة أسس الدولة الوطنية.
ممّا لا شكَّ فيه أن الخطأ البروتوكولي المقصود يُعدُّ بمستوى الخطيئة، لأنه جاء في مرحلةٍ حسَّاسة يُصوَّب فيها على مقام مشيخة العقل والمجلس المذهبي في محاولةٍ للنَّيل من هيبتِهما وشرعيتِهما المكرَّسة في القانون، وكأنّه استكمالٌ لمسلسلٍ بدأ عرضه في الجاهلية منذ أيام، وقد جاء الخطأ المقصود ليدعمَ الخروجَ على القانون وليعمِّق الشرخَ بين أبناء الطائفة الواحدة، وفي ذلك محاولةٌ واضحة وخبيثة لاستكمال الانقلاب الذي يعمل له المتربِّصون شرّاً بالطائفة والذين يجهدون في التسلُّق إلى السلطة والمواقع على ركام ما يهدمون من مؤسّسات وما يراكمون من خلافاتٍ وانقسامات في جميع الاتجاهات. 
الردُّ سيكون بالاحتكام إلى القانون واستعمال الحقّ الشرعي لإنهاء هذه المهزلة وإعادة الضالِّين من أهلِنا إلى جادة الدولة والتخلّي عن منطق القبيلة والعصيان، والردُّ سيكون بالموقف والعمل الجادّ وليس بالصدام في الشارع الذي يحاولون جرَّ الناس إليه، وليعلمْ مَن يعلم أنَّ الموحِّدين بجميع مكوِّناتهم واتِّجاهاتهم لن ينجرُّوا إلى الفتنة في ما بينهم، وسيبقون أهل العقل والحكمة، ولن يسمحوا لأحدٍ أن يحرفهم عن تاريخهم وتراثهم ووحدتهم وقيمهم المعروفية الأصيلة.      
إنها رسالةٌ إلى كلِّ متطاول على الكرامة، وكلِّ مساهم في محاولة تعزيز صفةٍ غير شرعية، من خلال توجيه دعوةٍ رسمية لصاحبها، أو إطلاق تسميةٍ في غير محلِّها، أو إصدار أيِّ إعلانٍ أو بيانٍ أو تصريح من قبل هذه الجهة أو عنها، ورسالةٌ إلى أولي الأمر للتنبُّه إلى خطورة ما يحصل، فعندما نتطاول على مؤسساتنا ومقاماتنا ونقلِّل من احترامها بأنفسنا ومن قبل بعض المعترضين تحديداً، فإننا بذلك نسمَح لهذه السلطة أو لتلك الجهة بأن تتطاول وتستخفَّ وتبني على ما فعلناه. فلنتّقِ الله في ما نفعل، ولينتبهْ مَن تطاولَ ويتطاول، فإنَّه يسيء إلى طائفةٍ مؤسِّسة للكيان اللبناني، ولن يرضى أبناؤها الشرفاء وأخوانهم في الوطنية عن مثل تلك الإساءة، لأنها تؤسس لفتنة في البلاد، وتلك هي قمة الخطيئة التي يرتكبها أصحاب النوايا السيئة والمشاريع الهدَّامة.