Advertise here

فلسطيـن قضيـة من سِجّيـل

10 شباط 2020 20:37:03

"إذا حصلنا يوماً على مدينة القدس، وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي عمل، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود"، ثيودور هرتزل.

أنا لا أدعم فلسطين على غرار الأنظمة العربية التي اتخذت من قضيّتها ذريعةً لمحاربة الشعب الفلسطيني، ومحاربة شعوبها. أنا مع الشعب الفلسطيني في كفاحه المسلّح فكرياً وعقائدياً ضد الصهيونية. في هذه الفترة العصيبة التي تعصف بالشرق الأوسط ليس من الصواب أن نسترجع الماضي بأخطائه، أو نراهن على مواقف عربية وإقليمية زائفة. فالموقف يتطلب إنقاذ السمعة العربية كأمة، كون فلسطين قضية عربية قومية بحتة.

في مسرحية بياع الخواتم يقول الأخوان الرحباني، "رح نحكي قصة ضيعة. لا القصة صحيحة، ولا الضيعة موجودة". في آب 1897م، عُقد مؤتمر بازل، المدينة السويسرية، والذي نتج عنه البرنامج الصهيوني لإقامة وطنٍ قومي لليهود في فلسطين. وقصة العودة إلى أرض الميعاد، فكرةٌ روّج لها مؤسّس الصهيونية الحديثة، ثيودور هرتزل، كوعدٍ إلهي: "شعب بلا أرض، لأرضٍ بلا شعب"، وتم من خلالها تهجير يهود العالم إلى فلسطين، وتهجير الفلسطينيين منها. هرتزل، ذلك الصحافي النمساوي/المجري، لم يكن يتحدّث العبرية! ولم يزر يوماً فلسطين. لكنه جَمع ما بين الطموحات اليهودية، ونظرة الغرب الاستعماري لتمزيق العالم العربي.

الله لا يهب أي قطعة أرض. إن فلسطين ملكٌ لساكنيها، ولا يمكن انتزاع ملكيتها. وفي بداية الألف الثالثة قبل الميلاد استوطن الكنعانيون أرض فلسطين. وقد عُرفت اللغة العربية بجانب الكنعانية والأرامية (لغة السيد المسيح) في فلسطين التي تسمّت أرض كنعان قبل أن تطأ قدما النبي إبراهيم أرضها مهاجراً من مدينة أور في بلاد الرافدين. وهناك أنجب إسحق، والد يعقوب، وإليه يُنسب الإسرائيليون. وقد عُرفت المنطقة الساحلية والداخلية التي سكنها الكنعانيون، الذين اندمجوا مع القبائل الكريتية الغازية، باسم فلسطين، وأصبح سكان البلاد كلهم من الكنعانيين العرب. والجميع يعلم قصة هجرة النبي يعقوب وأولاده، بمن فيهم يوسف النبي إلى مصر، والأربعين سنة التي قضاها بنو إسرائيل في الصحراء قبل أن يتمكنوا من دخول فلسطين بعد موت النبي موسى. إلّا أن فلسطين عاشت فترات عدم استقرارٍ منذ أن أسّس الملك داوود مملكته في أورشليم، وظهور السيّد المسيح في الناصرة، قبل أن يفتحها المسلمون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 637م.

تناول الكثير من الباحثين منقبين ومحلّلين تاريخ أرض فلسطين. وأنا لست بصدد الغوص في غمار تاريخ فلسطين القديم. ما يهمّني هو الإضاءة على القضية المركزية للأمة العربية، وما يتمخض عنها من قضايا فكرية وسياسية حول فلسطين. وليس من منطلقٍ تعصبي أو ديني، ومنعاً للإلتباس، لا يُمكن أن نتناسى وقائع الصراع التاريخي حول المسألة الفلسطينية. إذ أن جغرافيا القضية الفلسطينية رسمتها اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916م، وهي الفخ الذي نُصب لزرع العوائق بوجه توحيد الأمة العربية كمشروعٍ يعادي الأطماع الغربية الاستعمارية في المنطقة مستقبلاً.

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم أجد للعدل سبيلاً في عملية السلام، كون العدل لا يُبنى إلا على المصالح ونفوذ القوة في العلاقات الدولية. لذا فإن العالم اليوم مغلقٌ كالجدار في ما يخص فلسطين المتروكة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، فيما العرب منشغلون بحروبهم الطائفية متناسين القضية. وقد أُعطي العرب الفرصة لتحقيق إنسانيتهم حيال التحدي الحضاري مع إسرائيل، لكنهم ماذا فعلوا؟ أضاعوا الفرصة. وماذا تبقّى غير المقاومة والكفاح ليسطعا بنور الحق. حينها يبثُّ الرعب في قلوب المحتل، مغتصب الأرض، قاتل الأطفال. إن الإيمان الصادق المبني على الانتصار الحتمي للقضية، وإن الاحتلال لن يدوم مهما طال الزمن، يبقيان الركيزة الأساسية للانتفاضة. غير أن فلسطين واحدة لا تقبل القسمة. هي أنفاق أحمد ياسين، وعودة غسان كنفاني إلى شواطئ حيفا، هي ابتسامة شهيد، وعشق أسير للحرية.

الحق الفلسطيني كان الشغل الشاغل للمؤمنين به منذ النكبة عام 1948م، وهو حقٌ وجودي لشعبٍ ثائرٍ حمل على عاتقه حركة التحرر العربي. ويبقى السؤال، إلى متى ستدوم المأساة، والعرب بالكاد يتفقون على شيء، والصهيونية تضحك ضحكتها الخبيثة غير آبهةٍ بالمعايير والقيم؟

نحن أمام امتحانٍ جدّي في ظل الانقسامات الفلسطينية القاتلة، من إعادة رسم خارطة المنطقة، وما تشهده الساحة العربية من تدميرٍ وتفتيت، ناهيك عن التوسّع الإستيطاني المقيت، ومحاولات تهويد القدس. لذا يتطلب الأمر منّا تعزيز الوحدة والانتقال بها إلى حالةٍ تواكب نبض الجماهير من أجل بناء حركة تحرّر وطني يتصدى للإحتلال.

ولا بد من القول إن ما يُحاك من مؤامرات ضد فلسطين أرضاً وشعباً، هدفه تصفية القضية الفلسطينية عبر توطين الفلسطينيين، وما يترتب عليه من إغراءاتٍ مالية واقتصادية، ما بين ترغيبٍ وترهيب. لكن علينا أن نعي أن الاغتيال السياسي للقضية لن يمرّ مرور الكرام، ومن دون إراقة الدماء، بالرغم من تخاذل الأنظمة العالمية، بما فيها العربية.