Advertise here

أي مستقبل لشمال سوريا بعد التحوّلات العسكرية الأخيرة؟

10 شباط 2020 13:13:00 - آخر تحديث: 10 شباط 2020 13:16:42

دخلت منطقة الشمال السوري، لا سيّما منطقتَي إدلب وغرب حلب، مرحلةً جديدة من الصراع بعد سقوط مفاعيل اتفاقَي سوتشي وآستانا، والمرتبطان بمناطق خفض النزاع، وهي المناطق التي شهدت معارك عنيفة، وعمليات نزوحٍ كثيفة خلال الأسابيع الماضية تمكنت خلالها قوات النظام السوري، مدعومةً من سلاح الجو الروسي والميليشيات الإيرانية الحليفة لها، من دخولها والسيطرة على بعض المدن والقرى الاستراتيجية فيها، ومنها مدينتَي معرة النعمان وسراقب التي تقع على تقاطع الطريقين السريعين "أم4" و"أم5"، وتخضع لسيطرة فصائل المعارضة، وتضمّ نقاط مراقبة تركية. وقد أدّت أعمال التصعيد تلك إلى نزوح أكثر من 580 ألف شخص باتّجاه مناطق أكثر أمناً قرب الحدود التركية.

وكان وفدٌ روسي ضمّ أحد مساعدي وزير الخارجية، ومسؤولين عسكريين واستخباراتيين، قد وصل إلى تركيا نهار السبت 8 شباط 2020، لمناقشة التطورات في محافظة إدلب شمال - غربي سوريا، فضلاً عن التوتر مع أنقرة بسبب استهداف نقاط مراقبتها العسكرية، ومقتل عددٍ من جنودها الأسبوع الماضي.

وعلمت "الأنباء" أن المباحثات ركّزت على مذكرة إدلب الموقّعة في سوتشي بين الجانبين التركي والروسي، وأن أولوية الجانب التركي كانت الالتزام بالحدود المنصوص عليها في المذكّرة الموقعة في 17 أيلول 2018، والتي رسمت حدود المنطقة العازلة منزوعة السلاح بين قوات النظام والمعارضة، إضافةً إلى وضع نقاط المراقبة العسكرية التركية، ومنع النظام من التعرّض لها، وانسحابه إلى حدوده السابقة وراء هذه النقاط قبل حلول نهاية شهر شباط الجاري، كما حدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المهلة التي أعطاها للنظام الأسبوع الماضي.

مصادر متابعة للمباحثات الروسية – التركية، كشفت لـ "الأنباء" عدم، "توصل الطرفين في المحادثات التي جرت في وزارة الخارجية التركية، واستمرت ثلاث ساعات" لأي اتفاق. وكانت صحيفة "حرييت" التركية قد كشفت تفاصيل مكالمةٍ هاتفية بين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن التوترات المتصاعدة في شمال سوريا، وقالت إن، "أردوغان رفض مقترح بوتين تقليص حدود منطقة خفض التصعيد، وتضييقها نحو الخط الواقع أسفل طريقي "أم4" و"أم5" إلى الشمال".

وكانت قوات النظام السوري، قد طوقت 8 نقاط مراقبة تابعة للجيش التركي في عمليتها الأخيرة، و 12 نقطة كان قد أنشأها في منطقة خفض التصعيد في إدلب، وذلك بحسب ما توصلت إليه مباحثات آستانة عام 2017، ثم أنشأ نقاطاً أخرى في معر حطّاط لتجميع الدعم اللوجيستي، ونقاطاً أخرى في شرق إدلب، كما أقام الأسبوع الماضي 5 نقاط في مطار تفتناز العسكري وحول سراقب.

وبعد تطور الأحداث الأخيرة وتسارعها، ونتيجة تعرّض نقاط المراقبة التركية للقصف المباشر من قوات النظام السوري، سارعت تركيا إلى تعزيز قواتها بإدخال رتل عسكري ضخم معزّز بآليات ودبابات إلى معسكر المسطومة القريب من الطريق الدولية اللاذقية - حلب (إم 4). كما عزّزت وحداتها المنتشرة على الحدود مع سوريا في قافلةٍ ضمّت أكثر من 300 مركبة عسكرية، و200 آلية، بينها مدرعات وآليات على متنها قوات كوماندوس.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، في بيانٍ أصدرته السبت، أن قوات الجيش التركي سوف تردّ بقوة على أي هجوم ضد نقاط المراقبة التابعة لها في إدلب، وأن القوات التركية، التي تواصل مهامها في نقاط المراقبة، قادرة على حماية نفسها من خلال الأسلحة والعتاد، والقدرات الحربية التي تمتلكها. وأضافت: "سيتمّ الرد مجدداً بأشد الطرق في إطار حق الدفاع المشروع عن النفس، في حال وقوع أي هجوم جديد".

يخشى مراقبون أن يؤدي التصعيد بين أنقرة ودمشق إلى تدهور أكبر للوضع المضطرب في المنطقة، وذلك بعد أن تحوّل التوتر، المستمر منذ فترة طويلة بين تركيا ونظام بشار الأسد، إلى صراعٍ ساخن. وقد بيّن التهديد اللفظي لأنقرة ضد قوات النظام، إلى أن تركيا وروسيا ستديران قضية إدلب بطريقة جديدة في المستقبل، وسوف يكون تبادل المعلومات بين المسؤولين الأتراك والروس أمراً أساسياً لتجنّب المشاكل، ما سيدفع روسيا إلى التوقف عن تجاهل المصالح الحيوية لأنقرة في الشمال السوري. لكن ذلك يتطلب الإجابة على أسئلةٍ أساسية، مثل ما إذا كانت تركيا قد انتقلت فعلاً إلى المرحلة "الثانية" في إدلب؛ وما إذا كانت ستحتفظ بالأراضي كما فعلت في لواء الاسكندرون؛ وما إذا كان الجيش التركي سينفذ عمليةً عسكرية واسعة لاستعادة المناطق التي دخلتها قوات النظام في الأسابيع الأخيرة، وتعيد تعزيز مراكز المراقبة وممارسة سيطرتها لفرض منطقة آمنة على عمق 30 -40  كيلومتراً للّاجئين والمشردين السوريين؛ أم أن أردوغان سيرضخ لضغط الرئيس الروسي بتقليص مساحة خفض النزاع إلى شمال خطّي أف 4 وأف 5.

الترقّب سيبقى سيّد الموقف، والأنظار ستتّجه إلى ما بعد المهلة التي منحها الرئيس التركي لقوات النظام نهاية شهر شباط الجاري، وكيف ستتعامل روسيا مع إصرار تركيا. فهل سيخاطر فلاديمير بوتين بتعاونه مع الأتراك من أجل طموحات الأسد؟ أم أنه سيدفع باتجاه تحويل تلك العلاقات الى شراكة استراتيجية، بعد أن تحملت أنقرة الكثير من الأعباء والضغوط الاقتصادية والعسكرية التي فرضتها عليها واشنطن نتيجة تعاونها مع موسكو في مجموعةٍ من المجالات، كالطاقة، ونظام الدفاع الجوي S-400، وفي الوقت الذي تنشئ فيه القوات الأميركية، قواعد عسكرية جديدة لها في محافظة الحسكة، بغية ترسيخ تواجدها في المناطق النفطية بشمال شرق سوريا، وقطع الطريق أمام العسكريين الروس من الوصول إلى أهم مراكز إنتاج النفط في حقل الرميلان في ريف الحسكة الشمالي الشرقي.