Advertise here

بري طالب دياب بالكهرباء... وقبضة التسلط تُفشل تعديل البيان

08 شباط 2020 05:36:00 - آخر تحديث: 08 شباط 2020 11:21:46

فيما ينشغل أركان الدولة بتأمين وصول النواب إلى المجلس لحضور جلسة مناقشة البيان الوزاري، والتصويت عليه يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلَين، وانعقاد مجلس الدفاع الأعلى في القصر الجمهوري لهذه الغاية، وورود معلومات حول الدعوة للإضراب العام من قبل الحراك، والعودة إلى إقفال الطرقات في محيط ساحة النجمة، ومنع النواب من الوصول إلى البرلمان، تتجدد المطالبة بإقفال المعابر غير الشرعية المنتشرة على طول الحدود اللبنانية - السورية بعد إغراق الأسواق اللبنانية بالبضائع والمنتوجات المهرّبة من الداخل السوري إلى لبنان في مقابل تهريب الدولار الأميركي والعملة الصعبة من لبنان باتجاه سوريا، دون حسيب أو رقيب، ومن دون ضوابط أمنية من قبل القوى المولجة ضبط المخالفين، وسَوقهم الى العدالة.

ووسط الإحباط الذي يعيشه المواطن اللبناني في كل يوم، بدأت تتظهر إلى العلن الهفوات التي أوقعت الحكومة نفسها بها، لا سيّما خلوّ بيانها الوزاري من خطة إنقاذية تريح الناس علّهم يأملون خيراً بقرب الفرج، ومنع البلد من الانهيار. 

ويأتي الهدر في قطاع الكهرباء، والذي يشكّل نسبة 48 في المئة من الدّين العام، في مقدمة العقد التي تطفو على سطح الأزمة ولم تعرها الحكومة الاهتمام المطلوب؛ أما الخطة التي وضعتها الحكومة لمعالجة هذا الملف فقد جاءت مستنسخةً عن خطة الحكومة السابقة، ما يعني إبقاء القديم على قِدمه والحبل على الجرّار.

وفي الوقت الذي شبّه فيه رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، البيان الوزاري بموضوع إنشاء لصف الثالث الابتدائي، ولا يستحق من وجهة نظره سوى علامة 3 / 10، كان لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أكثر من تغريدة في موضوع الكهرباء، لأن البيان الوزاري لم يلحظ أية إيضاحات بشأنها، وكأن هناك إصرارٌ على الاستمرار بسياسة البواخر التي كانت محط خلاف داخل الحكومة السابقة، وكان وزراء "التقدمي" رأس حربة في مواجهة هذه الصفقات.

وفي تلميح إلى الوزير السابق جبران باسيل، قال جنبلاط: "لقد نجح المتسلّط الأول على قطاع الكهرباء، ومَن وراءه في الظل من شركاء وشركات متعددة في فرض البيان الوزاري كما هو، بالرغم من محاولة اعتراض خجولة من بعض الوزراء لمحاولة الإصلاح المطلوب. يبقى هذا القطاع في يد قلةٍ في إدارة مبتورة لتعرض البلاد للانهيار والإفلاس".

وفي سياق البحث عن مكامن الهدر المستشري في قطاع الكهرباء، والتي أوصلت إلى هذه الحالة من الاهتراء، كشفت مصادر مطّلعة عبر "الأنباء" أن "مكامن الخلل مردّها إلى اعتماد أسلوب التناتش واقتناص الفرص لسرقة القطاع، خاصة بعد أن أصبح في عهدة وزراء التيار الوطني الحر، الذين أداروه بأسوأ الطرق. وترافق سوء الإدارة مع عدة أمور، أولها الفساد والتعاطي بالقوة، والأغرب من كل ذلك ممارسة هذين الأمرين معاً". والمؤسف، بحسب المصادر المطّلعة عينها، هو أن، "إدارة هذه المؤسّسة أصبحت في عهدة أشخاص غير كفوئين وتنقصهم الخبرة والمسؤولية، والذين ضربوا بعرض الحائط كل الطاقم الإداري، ومارسوا التوظيف العشوائي لعددٍ وصل الى 450 مياوماً، وكلّهم من أتباع "التيار" ويشغلون اليوم المناصب الإدارية بنسبة 90 في المئة".

وتقول المصادر: "الأغرب من كل ذلك أن غالبية القوى السياسية لم تقارب هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، وكأن المؤسّسة تحوّلت إلى قطاعٍ خاص للتيار الوطني الحر لوحده. والأخطر هو أن المؤسّسة تدار في هذه الفترة من شخصٍ واحد هو الوزير، ومن دون مجلس إدارة، أي على عكس الفترة الماضية التي كانت فيها المؤسّسة خاضعةً لسلطة الوصاية، وهي وزارة الطاقة كإدارة. أما اليوم فالوزير هو الآمر الناهي، ويتعاطى بشكلٍ مباشر بكل شاردة وواردة".

وكشفت المصادر أن هذه المؤسّسة، "لم تعد مستقلة إدارياً وتنفيذياً، ومعامل الكهرباء في الزهراني ودير عمار تُدار من قٍبل مشغّلين لا علاقة لهم بالمؤسّسة، ويبلغ عددهم أكثر من 400 موظف تابعين لشركات خاصة، ويديرها مقرّبون نافذون، هم وكلاء البواخر الموجودة في الذوق".

ورأت المصادر أن، "المؤسّسة تجنح نحو الفشل، ولم يبق فيها إلّا 1,500 موظفاً يُسرّح منهم كل عام قرابة المئتين إلى التقاعد"، مشيرةً إلى أن الوزير الجديد، ريمون غجر، "رجل كفوء، ولديه خبرة في هذا المجال، لكن هل يُسمح له بالعمل؟ طبعاً لا، لأن الأمور ما إن بدأت تتضح على مستوى محاولته أن يفعل شيئاً في الإدارة حتى ظهرت اعتراضات من الفريق المُشار اليه، والمؤسف اليوم أنه تم تخفيض ميزانية المؤسّسة التي لن تتمكّن من شراء الفيول، ما يعني أن المواطنين سيواجهون التقنين القاسي في ظل غياب الأموال الكافية للصيانة".

المصادر طالبت الحكومة باتخاذ قرار، "الاستعانة بالدول القادرة على إدارة هذا القطاع، شرط اعتماد مناقصات شفافة لتحديد المطلوب مقابل فوائد محددة، وعدا ذلك يبقى كلاماّ بكلام، والشركة ذاهبة باتجاه الفشل والشلل، خاصةً بعد تراجع الجباية، والنقص في الأموال الخاصة".

مصادر التيار الوطني الحر ردّت عبر "الأنباء" بالتأكيد على إصرار الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الطاقة على تحسين قطاع الكهرباء، "لكنهم جوبهوا برفضٍ من باقي الوزراء ومن مجلس الوزراء، ولم يألوا جهداً لتحسين هذا القطاع بواسطة البواخر التركية، وتلزيم معملي دير عمار والزهراني". لكن المصادر لم تقدم تفسيراً فعلياً لسبب التردي القاتل في ملف الكهرباء.

في المقابل، مصادر كتلة التنمية والتحرير لم ترَ في البيان الوزاري أية خطة لتحسين قطاع الكهرباء، بالرغم من أن الرئيس نبيه بري طلب من الرئيس حسان دياب شخصياً إيلاء هذا القطاع ما يلزم من الاهتمام، "لأن الخسارة فيه هي أكثر من ثلث الدّين العام، وهو مؤشر خطير. ولذلك كان اقتراح بري على الحكومة بضرورة الاقتداء بكهرباء زحلة. وحتى الآن لا جواب، فيما هذا الاقتراح يوفّر على الدولة الأموال الهائلة التي تتكبدها بشراء الفيول وإيجار المعامل".

وأمام هذا المؤشّر الخطير في النهج الذي تعتمده الحكومة، سؤالٌ أخطر يطرح نفسه، ويدور حول قدرتها على معالجة الأزمة العميقة التي تهدّد مصير الدولة، وتبشّر بما هو أسوأ إذا ما استمر التعاطي بهذا المنطق الذي سيُفقدها القدرة على كسب ثقة المجتمع الدولي، وخسارة المساعدات اللازمة لتخطّي لبنان أزمته على كافة الصُعُد.