Advertise here

كيدية ونكد سياسي!

05 شباط 2020 08:36:27

في الديموقراطيات المتحضرة، لا تُمارس المعارضة لأجل المعارضة، وكذلك لا تُمارس السلطة لأجل السلطة. الطرفان مسؤولان أمام الرأي العام والمحاسبة تتم في الصحافة ووسائل التواصل الإجتماعي، أما المساءلة فتتم في المؤسسات الدستورية، في حين تحصل الملاحقة من خلال السلطة القضائية.

صحيحٌ أن الديموقراطية اللبنانية لها خصوصياتها وتعقيداتها وعثراتها لا سيما لناحية تلوثها بالطائفية والمذهبية، التي تكرسها سياسات بعض الأطراف الداخلية وقد بنت قاعدتها الشعبية على "الشعبوية"، ولكن الصحيح أيضاً أن تطوير هذه التجربة الديموقراطية بات ضرورة ملحة، خصوصاً أن قراءة تجارب الحقبة الماضية تحتم القيام بهذه الخطوة وهي مرتبطة باستكمال تطبيق اتفاق الطائف.

أحكام اتفاق الطائف (1989) أصبحت جزءاً من الدستور اللبناني (1990) ومنها إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، تشكيل مجلس الشيوخ لضمان التمثيل الطائفي وتبديد مخاوف وهواجس المكونات الطائفية، وإجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي. وبالتالي، فإن التغاضي المستمر عن تطبيق هذه الخطوات منذ مطلع التسعينات وحتى يومنا هو بمثابة الإمعان في تكريس الصبغة الطائفية للنظام اللبناني المأزوم وتأبيدها إلى ما لا نهاية!

لقد أجهضت حقبة الوصاية كل الجهود لتطبيق الدستور، وأفرغت هذه "الديموقراطية اللبنانية" من مضامينها وفاقمت هشاشتها بما يتناسب مع مصلحتها السياسية المباشرة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما اصطلح على تسميته حكومات الوحدة الوطنية بحيث تم إشراك كل القوى السياسية (تقريباً) في الحكومات المتلاحقة، وهي القوى ذاتها التي تتمثل بكتل برلمانية في المجلس النيابي، ما أجهض اللعبة الديموقراطية وأسقط وجود المعارضة البناءة والفاعلة لتصويب المسار وتقويم الإعوجاج.

لعله كان من الضروري تشكيل هذا النوع من الحكومات بعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1990 لمشاركة مختلف القوى في تحمل المسؤولية الوطنية، ولكنه ليس مبرراً بعد انتظام عمل المؤسسات الدستورية. فالوصاية ذاتها استبعدت قوى وأحزاباً وأخرجتها ليس من الحكومات فحسب، بل من المسرح السياسي برمته وهو ما أدى إلى انعدام التوازن الداخلي.

وهنا بيت القصيد، ذلك ان خروج بعض القوى من الحكومة (أو السلطة إذا صح التعبير) لا يعني خروجها من الوطن، وهو ما يتطلب الابتعاد عن التعاطي معها من زاوية الكيدية السياسية او "النكد السياسي" للحيلولة دون الاخلال بالتوازنات الداخلية التي أرستها الإنتخابات النيابية الأخيرة التي جرت سنة 2018.

التغيير بات ضرورياً، وهو ما يفترض ان يحصل من خلال فتح باب النقاش السياسي حول قانون الانتخاب الجديد للخروج من دوامة القانون الحالي الذي أرسته تحالفات ومصالح فئوية أدت إلى التشويه المنهجي للنظام الانتخابي النسبي الذي كان من المفترض أن يشكل خطوة متقدمة على مستوى التمثيل السياسي والشعبي أجهضتها بدعة الصوت التفضيلي وأحكام أخرى من ذاك القانون المشؤوم.

صحيحٌ أن التحديات والاستحقاقات الإقتصادية والمالية والمعيشية لا تحتمل الانتظار، لا بل هي تحتل الأولوية لتلافي المزيد من الانهيارات المتتالية في البنيان الوطني، من خلال إطلاق رؤية اصلاحية وجذرية شاملة؛ ولكن الصحيح أيضاً أن النقاش المبكر حول قانون الانتخابات العتيد له فوائده على أكثر من صعيد.

ويضاف إلى كل ذلك أن المطالبة الثورية في إجراء انتخابات مبكرة تكاد تتلاشى، وهي مطالبة محقة؛ إنما المهم النفاذ في الإنتخابات المقبلة نحو خطوات جدية لإصلاح النظام السياسي، والخروج من عنق الزجاجة الطائفية والمذهبية ووضع المداميك الأولى لذلك من خلال هذا الاستحقاق الديموقراطي.

إن استكمال تحطيم الجدران الطائفية الذي حققت جزءاً منه الثورة اللبنانية، هو مسؤولية كل الأحرار من مختلف المواقع السياسية، وإلا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة لسنواتٍ وسنوات!