Advertise here

تكليف علاوي يفاقم انقسام الشارع العراقي

05 شباط 2020 05:10:00 - آخر تحديث: 05 شباط 2020 08:17:40

 ازدادت حدة التوتر بين المحجتين في العراق، مع أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في ساحات الاحتجاج التي تشهدها مدن البلاد، بعد يوم من مقتل متظاهر خلال اشتباك بين الطرفين، وكان الصدر قد أيد الاحتجاجات مع انطلاقها في تشرين أول الماضي، لكنه كان متقلّب المواقف حيالها مراراً، ويختلف الآن مع متظاهرين آخرين حول تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، بعد أن أعلنت كتلة سائرون التي يتزعمها الصدر دعم تكليف علاوي، فيما رفضه المتظاهرون باعتباره واحدا من النخبة السياسية الحاكمة التي يتظاهرون ضدها.

الصدر الذي يتهمه المتظاهرون بالوقوف خلف تسمية علاوي، استجابة لطلب إيران، بهدف الالتفاف على الثورة الشعبية التي تطالب بمكافحة الفساد، واستقلال العراق، ووقف التدخل الإيراني في شؤون البلاد، دعا أنصاره للبقاء في الشارع، وإدانته لإغلاق الطرقات والجسور، كما دعا عناصر  "القبعات الزرق" التابعين له إلى التنسيق مع الأجهزة الأمنية ومديريات التربية والعشائر بهدف "تشكيل لجان في المحافظات من أجل إرجاع الدوام الرسمي في المدارس الحكومية، وفتح الطرقات المغلقة". وهو ما أثار انقسامات حادة بين المحتجين، ومواجهات استخدمت فيها السكاكين أدت الى جرح العديد من الشبان، وباتت تهدد مستقبل الثورة السلمية.

وكانت "تنسيقيات الحراك الطلابي في العراق" دعت إلى تظاهرة حاشدة، تتوجه إلى ساحة التحرير وسط لمساندة المتظاهرين السلميين، عقب استيلاء أصحاب القبعات الزرقاء على المطعم التركي قرب ساحة التحرير، والذي يعتبره المعتصمون خط الدفاع في وجه القوات الأمنية، حيث توافد مئات الطلبة على ساحات الاعتصام في محافظتي ذي قار والديوانية في جنوبي العراق، وشهدت محافظة كربلاء المجاورة انتشارا لعناصر غير معروفة تحمل السلاح لمنع المتظاهرين من غلق الشوارع.

ومع إعلان تكليف علاوي تشكيل الحكومة العراقية، بعد شهرين على استقالة الرئيس السابق عادل عبد المهدي تحت ضغط الشارع، عادت مدن الجنوب العراقي لتشهد موجة واسعة من الاحتجاجات قادها شبان غاضبون، رفضاً لتكليف علاوي، ففي مدينة النجف رفع المتظاهرون لافتة كُتب عليها "محمد علاوي مرفوض، بأمر الشعب"، وطالب المتظاهرون بتسمية رئيس وزراء مستقل سياسياً لم يتولَّ سابقاً منصباً حكومياً، معتبرين أن ذلك لا ينطبق على علاوي، الذي أعلن أنه مستقل.

وكلّف رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح السبت، علاوي رسمياً تشكيل الحكومة العراقية، بعد اتفاق بين الكتل السياسية، إثر تحذير من صالح للكتل بأنه سيختار الشخصية التي يراها مناسبة ما لم تتفق الكتل الكبرى على تسمية مرشحها، ووفقاً للدستور العراقي، أمام علاوي شهراً واحداً لتشكيل حكومته ليعقب ذلك تصويت على الثقة في البرلمان. وفي أول خطاب رسمي وجّهه للعراقيين، تعهّد علاوي بتنفيذ مطالب الشارع، خصوصاً الانتخابات المبكرة وتأمين حقوق ضحايا التظاهرات.

الولايات المتحدة الأميركية، علقت على تكليف محمد توفيق علاوي رئاسة الحكومة العراقية، قائلة إنها ستعمل مع الحكومة الجديدة فور تشكيلها لتهيئة الظروف لعراق مستقر ومزدهر، وذكر بيان السفارة الأميركية في بغداد "تتطلب الظروف الراهنة في العراق والمنطقة وجود حكومة مستقلة ونزيهة ملتزمة بتلبية احتياجات الشعب العراقي"، وأضاف "أن ترشيح علاوي كرئيس وزراء جديد للعراق "يجب أن يتم متابعته بجهود حقيقية لضمان تحقيق هذا الهدف".

أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي قال إن بلاده ترحّب باختيار علاوي رئيساً لوزراء العراق. وأضاف "في إطار الدعم المستمر للاستقلال والسيادة الوطنية ووحدة الأراضي وتعزيز أسس الديمقراطية في العراق، نرحب بتكليف محمد توفيق علاوي برئاسة وزراء هذا البلد".

مصادر سياسية متابعة للوضع العراقي، كشفت "الأنباء"، أن ما يجري في العراق اليوم هو مشابه لما يجرى في لبنان، من محاولة القوى السياسية الموالية لإيران، الالتفاف على التحركات الشعبية، وإعادة تكوين السلطة على قاعدة المواجهة، والاستعداد للمرحلة المقبلة، حيث يدخل الصراع الأميركي – الإيراني، مرحلة جديدة بعد انتهاء محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مجلس الشيوخ، وبعد فشل اللقاء الأوروبي – الإيراني في إعادة ترتيب العلاقة بينهما، ما سيدفع الأوروبيين لتحويل الملف النووي الى مجلس الأمن وفق آليات "فض النزاع".

ورأت المصادر أن علاوي لن يتمكن من تشكيل حكومة جديدة ترضي الشارع، ضمن المهل الدستورية، "لا بل قد يضطر الى تقديم تنازلات أساسية لإرضاء الكتل الشيعية المدعومة من ايران، تماما كما فعل رئيس الحكومة اللبناني حسان ذياب، وهذا ما سيزيد من فعالية الحراك الشعبي في العراق ويزيد من نقمة المتظاهرين".

وأشارت المصادر ان العراق "يشكل ساحة المواجهة المباشرة بين طهران وواشنطن، وهذا يرتب على البلاد جملة تحديات قد تدفع الأمور الى مزيد من التعقيدات لن يتمكن علاوي من مواجهتها ما لم يتخذ مواقف وطنية جريئة، في الوقت الذي يضطر الى مهادنة الكتل السياسية لا سيما الموالية لإيران لتمرير حكومته"، واحتمال إعادة تكرار سيناريو رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي في تكليف علاوي، أشارت المصادر إلى "أن واقع الحال يقول إن علاوي لا يستطيع المضي في تشكيل حكومته إذا لم يُسند من هذين القطبين الرئيسين في المعادلة السياسية".
وأوضحت المصادر أن "صدى شعبياً، يرفض إعادة صياغة البيت الشيعي مرة أخرى، للإطباق على الحكومة، لكن أطرافاً سياسيةً تريد أن تجمع الشتات بعد حالة التبعثر"، كاشفا عن "تدخل مباشر لحزب الله اللبناني بتكليف من إيران لتحقيق هذه المصالحة".

ويعاني العراق منذ العام 2008 من صراع داخلي تعزز في المرحلة الأخيرة مع انخراط الفصائل المسلحة في العملية السياسية، ما جعل الصراع بين منطقي الدولة واللا دولة، وبين أدوات لا تريد أن ترضخ لأسس بناء المؤسسات وتحمل السلاح خارج إطار القانون وتتخذ مواقف محددة، ما جعل العديد من القيادات العراقية أت تكون تابعة لدولة خارجية على حساب انتمائها الوطني ومصالح جمهورها وبلادها. الى أن أيقظت الاحتجاجات الشعبية الشعور الوطني، وباتت تشكل فرصة لاستعادة العراق الى موقعه الوطني والعربي، وهذا ما أقلق "الطبقة الحاكمة المسيطرة على المشهد السياسي منذ عام 2003 وحتى الآن، والتي تتخوف من نشوء بيئة وجو منافس جديد من الاحتجاجات له أفكار وتصورات قد تقضي على منهجهم".

وحذَّرت المصادر من أن "عدم التعامل السليم مع الاحتجاجات سيؤدي إلى نتائج كارثية، فاستخدام العنف مع المحتجين ستؤدي إلى ارتفاع المطالب واحتمالية وصولها إلى إسقاط النظام".