Advertise here

مروان حمادة مفكك الملفات اللبنانية الصعبة

20 كانون الثاني 2019 11:55:00 - آخر تحديث: 02 أيلول 2020 16:42:35

لم يكتم الوزير والنائب اللبناني مروان حمادة تخوفه من أن يكون فشل القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي تعقد في لبنان انتصارا للرئيس السوري بشار الأسد وهزيمة للبنان. حمادة يرد الوضع المالي الكارثي في البلاد إلى تراكمات طويلة، معتبرا أن ما يحصل هو تسريع للتدهور جرى في السنوات الماضية خلال فترة الفراغ الرئاسي.

حمادة حصد ثمار أمانته في الأدوار التي أداها في حياته السياسية منذ اتفاق الطائف، ورغم الضغوط الكثيرة التي تعرّض لها رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط قبل الإعلان عن “لائحة المصالحة” التي ترأسها نجله تيمور في الانتخابات النيابية الأخيرة بغية التخلي عن حمادة، إلا أن جنبلاط أصرّ على ترشيح حمادة، وأوعز إلى المسؤولين عن الحملة الانتخابية ببذل أقصى ما يمكن من إمكانيات لمنح الأصوات التفضيلية “من حساب” تيمور لضمان نجاح حمادة في الانتخابات.

وكان يمكن لحمادة أن ينضمّ إلى قافلة الشخصيات السياسية الوطنية التي اتهم النظام السوري و”حزب الله” باغتيالها في لبنان، لكن القدر أنقذه من تفجير سيارته ليكون شاهدا حيا على السياسة التي اتبعها نظام الوصاية السوري الأمني للبنان، واستطرادا وقوفه إلى جانب من تبقى من رفاقه في “ثورة الأرز” في وجه مشروع الهيمنة الإيرانية على لبنان.

سنوات النار

لم تكن محاولة اغتياله في الأول من أكتوبر من العام 2004 سببا يدفعه إلى السكينة والمهادنة في وجه من كان يقف وراءها. لا بل أظهر المسار الذي استكمله بعد تعافيه وعودته إلى العمل السياسي أنه لا يزال خصما لدودا وشرسا في وجه المخابرات السورية وممارساتها في لبنان، ولم يتوان عن رفع الصوت في وجهها وتسمية الأشياء بأسمائها، خصوصا بعد أن أعلن مناصرته لثورة الشعب السوري وسعيه إلى التخلّص من هذا النظام والفوز بالحرية والديمقراطية التي دفع هو نفسه ثمنا غاليا لممارستها.

حياة حمادة الذي ولد في العام 1939 في بعقلين، المدينة الشوفية الدرزية العريقة، لم تكن سهلة نسبيا، فهو سليل عائلة درزية لعبت أدوارا دينية واجتماعية في مراحل مختلفة من التاريخ اللبناني. والولد البكر للدبلوماسي العريق محمد علي حمادة، تنقّل معه في مطلع حياته بين عواصم ومدن أوروبية عديدة قبل أن يستقرّ في لبنان ليتابع دراسته الجامعية في كلية القديس يوسف وينال منها إجازة في الحقوق في العام 1963 ثم يستكمل دراسته ليحصل على إجازة في العلوم الاقتصادية.

فمعاناة حمادة الشخصية بدأت مع وفاة شقيقته الشاعرة ناديا زوجة الصحافي والدبلوماسي والسياسي الشهير غسان تويني، صاحب جريدة “النهار” العريقة، وكان قبلها قد ودّع معهما ابنتهما الوحيدة نائلة التي توفيت بسبب مرض عضال، ثم شقيقها مكرم الذي قتل بحادث سير في العاصمة الفرنسية باريس، قبل أن يشهد على اغتيال ابنهما النائب والصحافي جبران.

بدأ حمادة حياته العملية صحافيا في جريدة “لوريان لوجور” في ذروة ازدهار الصحافة الورقية في لبنان، ثم راسل مجلة “لوبوان الفرنسية” قبل أن يساهم في تأسيس مجلة “النهار العربي والدولي” في باريس والتي تولى لاحقا جبران تويني رئاسة تحريرها وبدأ بتكوين شخصيته السياسية من خلال مقالاته فيها.

تأثر حمادة كثيرا بشخصية المعلم كمال جنبلاط الذي شكّل ظاهرة فريدة في الحياة السياسية اللبنانية، من خلال معارضته للنظام وتمسّكه بالحرية والديمقراطية، وأصبح صديقا مقربا من نجله وليد الذي انضم إلى فريق “النهار” في مطلع شبابه عقب تخرجه من الجامعة الأميركية في بيروت.

وفي مطلع الثمانينات تولى حمادة رئاسة مجلس إدارة مجموعة “النهار”، وأصبح مديرا عاما لها، وتمكن من خلال موقعه الإشراف على حراك سياسي كان يدور في طوابق الجريدة العليا حيث كانت شخصيات سياسية مختلفة تجتمع وتناقش الوضع السياسي المهترئ والذي زاد اهتراء بسبب الحرب الأهلية التي كانت قد استعرت، وكانت المؤشرات تنبئ بتحولها إلى حرب طائفية، وهو ما كان حمادة يرفضه بشكل مطلق.

ظل حمادة وفيا للخط السياسي الصعب الذي اختاره إلى جانب جنبلاط والحركة الوطنية اللبنانية، وهو رغم عدم انتمائه إلى “الحزب التقدمي الاشتراكي”، إلا أن التزامه الواضح والصريح بالنهج السياسي الذي كان جنبلاط قد قرّره، دفع الأخير إلى تسمية حمادة ليكون وزيرا للسياحة في حكومة الرئيس شفيق الوزان في عهد الرئيس إلياس سركيس.

ومع الاجتياح الإسرائيلي واندلاع حرب الجبل، كان حمادة لصيقا بجنبلاط فانتقل معه إلى العاصمة السورية حيث كان يتولى متابعة الأمور السياسية، بينما كان جنبلاط يتابع التطورات العسكرية والشؤون الاجتماعية والحياتية لأبناء الجبل. وفي تلك المرحلة تحديدا، وطّد حمادة علاقاته العربية والدولية فتعرّف إلى معظم الشخصيات المؤثرة والنافذة والتي لعبت لاحقا أدورا هامة في الحياة السياسية وعلى سبيل المثال منها وليس الحصر، الرئيس الراحل رفيق الحريري.

وشارك حمادة إلى جانب جنبلاط في مؤتمري جنيف ولوزان اللذين دعا إليهما الرئيس اللبناني آنذاك أمين الجميل في محاولة للتفاهم على وقف الحرب الأهلية وإيجاد حل للأزمة اللبنانية التي كانت تزداد تعقيدا ويدفع اللبنانيون ثمنا لها، كما شارك معه في المحادثات التي أدّت إلى توقيع الاتفاق الثلاثي الشهير بين جنبلاط ورئيس “حركة أمل” الرئيس نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” آنذاك إيلي حبيقة.

لم يترك حمادة موقعه يوما، وهو كان الصديق الوفي وكاتم الأسرار والرسول الأمين إلى الجهات العربية والدولية وكثيرا ما كان يتدخل لتخفيف وقع التصريحات النارية التي كان يطلقها جنبلاط في حق هذه الجهة أو تلك، وهذا المسؤول أو ذاك، لكنه كان دائما لسان حال جنبلاط في المواقف السياسية الرئيسية ولم يدع للشك أو اللبس مكانا حيال موقعه خلف جنبلاط ومعه.

حمادة ونصرالله

غير أن حمادة الذي نسج علاقة متينة مع الحريري تعرّض لاحراج في مرات عديدة بسبب تضارب المواقف بين جنبلاط والحريري في عدد من المحطات السياسية، فكنت تراه يغيب عن الظهور أو الحديث في الإعلام تجنبا لإطلاق مواقف قد تحسب عليه إذا كان في ذلك الموقف انحياز إلى جانب جنبلاط ضد الحريري أو العكس.

يحافظ حمادة اليوم على موقفه كمعارض شرس، منذ وقوفه في وجه سياسات الرئيس السابق أميل لحود الذي كان يعتبره “صنيعة” النظام السوري، وهو الذي واجهه مرات عديدة أثناء توليه الوزارة في عهده، ولا ينسى اللبنانيون مقطع الفيديو الشهير الذي يتوجه فيه لحود بكلمات نابية بحق حمادة وكيف يرد الأخير “التحية” بمثلها، وهو انضم لاحقا إلى “لائحة الشرف” وهي التسمية التي أطلقها جنبلاط على النواب الذين صوتوا ضد التمديد للحود بناء على طلب الأسد شخصيا ومباشرة، ولعلّ محاولة اغتياله كانت ردّا على موقفه ذاك.

نهجه الرافض للنفوذ الإيراني و”حزب الله” نهج مستمر، لم يخفف منه يوما واحدا لا قبل محاولة الاغتيال ولا بعدها، وكان قد طالب بمحاكمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ونزع سلاح الحزب. ومنذ اللحظة التي استعاد فيها وعيه بعد عمليات جراحية أجريت عليه لإنقاذ جسده وجمجمته، تابع حمادة نقد النظام السوري بكل وسيلة أتيحت له، وكان موقفه حاسما ضدّ “حزب الله” وتدخّله في الشأن السوري إلى جانب الأسد، في حين أن جنبلاط انتهج سياسة “تنظيم الخلاف” مع الحزب في هذا الشأن.

ومع تولي حمادة وزارة التربية، واجهته مشاكل عديدة تتعلق بالإرث الثقيل الذي خلفه وزير التربية السابق المحسوب على “العهد” إلياس أبوصعب الذي “زرع” أنصاره في مختلف مديريات الوزارة، وكانت قراراته شعبوية نالت رضا الطلاب وخصوصا تلك المتعلقة منها بأيام التعطيل أثناء الظروف المناخية القاسية.

وفي الواقع، فإن قرارا اتخذه حمادة يتعلق بنقل إحدى “المديرات” في الوزارة والمحسوبة على أبوصعب، تسبب في موجة “انتقامات” طالت مسؤولين في إدارات رسمية مختلفة محسوبين على جنبلاط، وذلك “انتقاما” من حمادة وقراره، كما أعلن بوضوح وزير البيئة طارق الخطيب المحسوب على “التيار الوطني الحر”، وقيل حينها إن القرار الذي اتخذه حمادة كان بناء على رغبة من الرئيس سعد الحريري.

ولكي يزيد الطين بلة، تعرّض لبنان في الأسبوع الماضي إلى عاصفة ثلجية قاسية جاءت على أبواب انتهاء العطلة الرسمية بسبب الأعياد، تردّد حمادة كثيرا في إصدار قرار بتعطيل المدارس الرسمية بسبب العاصفة، ما خلف موجة من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقده وتطالبه بأن يكون “إنسانيا” كما سلفه الذي هو أيضا شارك في التغريد على موقع “تويتر” متوجها إلى حمادة بالقول “حمّلني الكثير من التلامذة رسالة إلى معالي وزير التربية ورسالتهم محقة فالإقفال يوم الثلاثاء، وربما أكثر، قرار صائب إذا أخذنا بعين الاعتبار سلامة وصحة التلامذة والأساتذة معا. فأمامنا أسبوع عاصف وبارد، وهكذا تدبير احتياطي يتخذ في معظم دول العالم بهدف السلامة العامة”.

ولأن العاصفة كانت قد ضربت معظم المناطق التي يزيد ارتفاعها عن 700 متر عن سطح البحر، اتخذ حمادة قرارا تسوويا بتمديد العطلة ليوم واحد فقط بالنسبة للمدارس الكائنة على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر وما فوق. ولم ينكسر، عندما ترك القرار للكائنين دون هذا الارتفاع باتخاذ المناسب.

وربما من سوء طالع حمادة الذي لا يسعى إلى أن يكون وزيرا “شعبويا”، أن العاصفة الجديدة التي تضرب لبنان، قد تضعه مجددا أمام موقف مماثل للموقف الذي واجهه مؤخرا، فهل سيتخذ قرارا “شعبويا” أم يظل على موقفه المتشدد الذي ينم عن العناد في شخصيته خصوصا في الملمات؟

وأخيرا يبقى مروان حمادة يتنقل ما بين شخصيتي المثقف والسياسي، يعرف كيف يوظف هذه لصالح تلك. فتجده في استحضاره للذكرى المئوية لكمال جنبلاط يخاطبه قائلا “أستذكر قولك: إن الصراع في سبيل الحق هو انتصار في كلتا الحالتين، أكانت نتيجته على السواء الاستشهاد المضيء أم النصر الساحق. أستذكر صلابتك، رويتك ورؤيويتك في الملمات. أستذكر نصحك الدائم أن نبقى شاخصين إلى المستقبل نافذة أمل وإشراقة حياة، وألا نبقى أسرى ماض، مهما حمل من أسى ودماء. فأنت القائل يوما: خطيئتنا الكبرى هي أننا نتطلع دائما إلى الماضي الذي جعلنا منه صنما في هيكل الأصنام الذي نتعبد”.