Advertise here

مرحلة التواضع السياسي الإلزامي

29 كانون الثاني 2020 22:42:15

تبدو القوى اللبنانية برمتها، بما فيها ناشطو الانتفاضة، أمام مأزق سياسي وأمني ومالي في منتهى الخطورة، والوضع لا يحتمل أي نوع من أنواع المغامرات الكبيرة، لأن نتائجه ستكون كارثية على الجميع.

وجميع هذه القوى فشلت في تحقيق نجاح ملموس في معالجة الانهيار الحاصل، او وضع تصور واضح لمعالجته، لأن الرؤى متباعدة، وهناك تضارب هائل في تشخيص أسباب الأزمة وطرق معالجتها، ومازالت غالبية الأطراف تبحث عن مصالحها الذاتية أكثر مما تبحث عن حل إنقاذي.

قوى الثورة الشعبية المستمرة منذ أكثر من مئة يوم أخفقت في بلورة مشروع تغييري واضح، وهي تدور حول ذاتها، وبدأت تعاني من ارباك شعبي واضح، لأن بعض الممارسات العنفية التي قام بها أفراد من صفوفها، أدت الى انكفاء الكثيرين من مقدمة صفوفها.

وقوى السلطة، او المنظومة الحاكمة، أخفقت هي ايضا في توفير مساحة مقبولة للحوار الذي يساهم في الإنقاذ، ومارست كل أنواع الاستبداد في مواجهة معارضيها من القوى السياسية، ومع قوى الانتفاضة، ولم تقدم ما يمكن أن يشكل قواسم مشتركة مع الأطراف الأخرى.

بمعنى أنها لم تتعاط بإيجابية مع مطالب الثورة في تحقيق إصلاح فعلي في بنية النظام، خصوصا في تشكيل حكومة مختصين غير حزبيين، وفي الموافقة على انتخابات مبكرة وفقا لقانون عصري، وإقرار قانون استقلال القضاء.

ولا هي أعطت فرصة جدية لتحقيق حكومة لم الشمل بإعادة إنتاج الهواجس الطائفية والمذهبية البغيضة.

في المقابل، فإن القوى السياسية المعارضة، فشلت في توفير رؤية موحدة، او إنتاج معارضة متماسكة لمشروع الأكثرية الذي يقوم على ربط لبنان بمحور الممانعة، وهي في ذات الوقت لا تستطيع أن تعيش قوية طويلا من دون تعاون فعلي فيما بينها.

علما أن تهمة مشاركة هذا الفريق في السلطة كانت واقعية أحيانا، ولا تعفيها من المسؤولية، برغم أن هذه القوى لم تكن صاحبة قرار في الملفات المفصلية.

يحتاج لبنان الى مرحلة من التواضع السياسي من كل الأطراف، لأن الانقلاب الشامل الذي تطمح به الانتفاضة أصبح متعذرا، رغم أن هذه الانتفاضة أحدثت هزة سياسية غير مسبوقة، والفرصة أمامها مازالت مهيئة لإحداث تغييرات جوهرية مدنية على طبيعة النظام.

والسلطة بكل مكوناتها، مدعوة لتغيير ركائز عملها، والتخفيف من حدة الاحتقان الذي يشجع عليه بعض أحزابها، وهي بهذا الأسلوب تزيد من المخاوف المحلية والعربية والدولية من الحكومة التي ليست بواقع الحال حكومة إنقاذية، ولكن لا يفيد وصفها بأنها صفعة للأميركيين، كما قال عضو قيادة حزب الله الشيخ نبيل قاووق، رغم أن 12 وزيرا فيها يحملون الجنسية الأميركية، كما لا يتحمل الوضع تهديد الأطراف التي لم تشارك فيها.

وقوى المعارضة الجديدة التي ساهمت في تخفيف الاحتقان النيابي والشعبي، مطالبة هي ايضا بالتواضع والواقعية وتقديم برنامج موحد، يختلف عن البرنامج السابق الذي كان عبارة عن تنازلات غير محسوبة النتائج، اوصلت فيه الرئيس وهادنت حزب الله بمشروعه من دون أن تأخذ أي ضمانات جدية لتنفيذ شروطها.

الواقع اللبناني الصعب اليوم يحتاج الى فكفكة الاحتقان، والتخفيف من منسوب التحريض.