Advertise here

الفلسطينيون قالوا كلمتهم... "لن ندفع الثمن"

29 كانون الثاني 2020 08:05:00 - آخر تحديث: 29 كانون الثاني 2020 12:21:40

بالمعطى الواقعي، فإن ما يُطلق عليه صفقة القرن، يصلح وصفه بجريمة العصر. جريمة الخروج من التاريخ والجغرافيا، ومن يعاكسهما سيجد نفسه خارجهما. وليس العيب وحده في الصورة الهزيلة للخريطة التي يفترض دونالد ترامب أنها ستكون خريطة فلسطين المستقبلية كما يشتهي. فلسطين هي هي، من النهر إلى البحر. 

أزهقت دماء كثيرة على طريق الوصول إلى إعلان إدارة دونالد ترامب عن "صفقة القرن" ولكن دماء كثيرة ستسيل في المقابل، لمنع تحقيقها. والصفقة بمفهوم الصفقة، لا بد أن تُعقد بين طرفين، فيما بهلوانيات ترامب، دفعته إلى الإعلان عن صفقة من قِبل طرف واحد، فيما الطرف الآخر أشهر سيف الإنتفاضة والقتال.

لن ترى الصفقة النور. قال الفلسطينيون كلمتهم، ما يتبقى منها هو فقط حملتان دعائيتان وانتخابيتان، لدونالد ترامب نفسه ليضمن العودة في ولاية ثانية وتجنّب محاولة عزله، ولرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أيضاً يواجه تهم الفساد، ويعاني من فوبيا، "إيهود أولمرت" الذي خرج من رئاسة الوزراء إلى السجن. الطرفان يهربان من مصيرهما إلى الإعلان بشكلٍ دعائي عن صفقة القرن، بخلاف كل الإدارات السابقة الأميركية والإسرائيلية التي كانت تهرب من مشاكلها الداخلية إلى حروب خارجية.

لكن المشكلة ليست في تجارة دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو بالإسرائيليين والأميركيين، إنما بمتاجرتهم بالشعب الفلسطيني وبأرض لا يملكونها، وهذه عادة ثابتة لديهم، كحال تجارتهم بحلفائهم وخصومهم وشعوب المنطقة. 

يبقى القسم الأكبر من المشكلة هو افتقاد مشروع عربي جامع وموحد قادر على المواجهة، والحفاظ على المكتسبات والكيانات العربية موحدة، بدلاً من الضياع في غياهب الشرذمة.
 

لن يدفع الفلسطينيون ثمن صفقة القرن وحدهم. مصير المنطقة برمّتها، معلّق على حسابات هذه الصفقة. وبما أن الأميركيين يرتاحون إلى الموقف العربي من هذه الصفقة، فيبقى لديهم همّ أساسي هو كيفية الوصول إلى اتفاق إطار مع إيران لترسيم مناطق النفوذ، يمهّد للتطبيق الكامل لهذه الصفقة. ولذلك، فإن المنطقة كلها تعيش على وقع المواجهة السياسية والإقتصادية الأميركية الإيرانية، فلا ينفصل ملف عن الآخر.

لو لم يتشظى العراق، ويقسم إلى ثلاث مناطق نفوذ، على أساس طائفي ومذهبي، لما أمكن الوصول إلى الإعلان عن فضيحة العصر هذه، التي كانت إحدى المسببات الرئيسية لتفرّج العالم بأسره على أكبر عملية "ترانسفير" بشري في التاريخ الحديث، والتي شهدتها سوريا على أساس مذهبي وطائفي، فتغيرت الديموغرافية السورية برمتها، وكلها كانت تمهيداً للوصول إلى صفقة القرن.

لبنان، ليس بعيداً عن تداعيات هذه الصفقة، والتي لا تنفصل عن موقفٍ أطلقه أحد الوزراء السابقين على الملأ بأنه ليس لديه خلاف إيديولوجي مع إسرائيل. وقال في موقفٍ آخر إنه من حق إسرائيل أن تعيش بسلام شرط أن لا تعتدي على أحد. هذا يوضح سياق اللعبة في لبنان، ترابطاً مع تغذية هذا المسؤول السابق لخطاب الكراهية، واللعب على أوتار التقسيم، والتصنيف العنصري. هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية، فإن لبنان يدفع الثمن بمزيد من العقوبات والتخلي الدولي عن الإهتمام به وعدم مساعدته والتي ترتبط بجملة شروط، أولها أمن إسرائيل بعد ترسيم الحدود، خصوصاً وأن الخريطة التي نشرها دونالد ترامب على حسابه لا تشير إلى ترسيمٍ نهائي على الحدود مع لبنان، ما يعني أنها قابلة للتعديل والتغيير. وهذا الملف يرتبط حكماً بملف النفط، وبملف الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله. ولا تنفصل عن هذه الملفات لبنانياً مسألة توطين كتلةٍ بشرية من اللاجئين الفلسطينيين، مقابل ترحيل آخرين إلى مناطق أخرى.