Advertise here

"تكتيك" جنبلاط... وبوصلته الحكوميّة

29 كانون الثاني 2020 09:15:00 - آخر تحديث: 08 أيلول 2020 12:03:11

"إلى أين؟" عبارة تساؤلية ارتبطت مدى عقود بشخص رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وشخصيّته السياسية المتعمّقة في قراءة المشهد بجوانبه المحليّة والإقليمية والدولية. تتعاظم أهمية العبارة الجنبلاطية الشهيرة في وقت تعيش البلاد أعتى أزمة اقتصادية في تاريخها منذ الاستقلال، في مرحلة تتراقص فيها تطورات المنطقة على جمر التحوّلات.

البوصلة الجنبلاطيّة التي لطالما عثرت على طريق صحيح تخطّت فيه دهاليز المتاهات السياسية، تتلقّف اليوم اشارات لا بدّ من ترجمتها من خلال تحصين البيت الداخلي في ظلّ مرحلة طويلة تنعدم فيها مؤشرات التفاوض والتسويات على صعيد المشهد الخارجي المؤثّر في الساحة اللبنانية.

التوصيف الأبرز المستخدم في الصالونات السياسية لاختصار واقع حال الحكومة الجديدة برئاسة حسّان دياب، يكمن في أنها على شاكلة مسكّن طويل الأمد، لا بدّ من اجتراعه بمرارة إلى أن يأتي وقت شفاء المنطقة واكتشاف ترياق حلول سياسية فيها.

لم يكن الطب الجنبلاطي بعيداً من إعطاء فرصة لاعتماد وصفة حكومة دياب "المسكّنة"، وهذا ما دفعه إلى فتح قنوات تواصل معه، بعد خروج اسمه رئيساً مكلّفاً بسحر ساحر. وفي معلومات لـ"النهار" من مصادر مواكبة لمرحلة التواصل الجنبلاطي مع دياب، يتراءى أن زعيم المختارة تلقّف رغبة رئيس الحكومة في التواصل بعد اتصال أجراه الأخير معه للوقوف على مقاربته للسيناريو الحكوميّ.

وما لبث جنبلاط أن كلّف أحد المقرّبين منه متابعة الملفّ، ففتحت قنوات التواصل الثنائية على مراحل، نتج منها اقتراح اسم رجل الأعمال وليد عسّاف لتولّي حقيبة الصناعة، إلا أن أكثر من عامل ساهم في غياب هذا الإسم عن التشكيلة الوزارية، وهي كالآتي:

أولها، اعتذار عسّاف عن تولّي المهمّة لاعتبارات شخصيّة مرتبطة بظروف عمله.

وثانيها، مسار التأليف الذي استقرّ على اختيار وزير للصناعة من خارج الحصّة الدرزية.

لم يتجاوز منطق التفاوض عتبة إسم وليد عسّاف، وما لبثت عجلة التأليف أن تسارعت بوقود "حزب الله"، إلى أن استقرّ الإسم الدرزي الثاني في ربع الساعة الأخير على وزيرة الاعلام منال عبد الصمد.

وفي المعلومات، خرج اسم عبد الصمد من جعبة دياب وليس من جعبة جنبلاط الذي لم يقترح أي اسم جديد، لكن إسم عبد الصمد راعى جنبلاط من ناحية عدم توزير أي شخصية مستفزّة من شأنها أن تنتج ردود فعل سلبية من البيئة الدرزية التي تبايع جنبلاط في أكثريتها.

من هي منال عبد الصمد؟ تكمن الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال في أنها شخصية مستقلّة ومحايدة، ومحطّ تقدير واعجاب في البيئة الدرزية نتيجة محصّلاتها العلمية والثقافية، ما يجعل منها إسماً مقبولاً من شتى الأطراف والأفرقاء.

الفرصة الجنبلاطية الممنوحة للحكومة واعتماده مبدأ المعارضة البناءة، يختصر المنطق التكتيّ المعتمد في المرحلة المقبلة.

من هذا المنطلق، يقول مستشار رئيس التقدمي رامي الريّس لـ"النهار" إن "جنبلاط قلق من حراجة الموقف الإقتصادي وإلاجتماعي ودقة الوضع المالي، وعبارته الشهيرة حول عدّاد الدين العام لا تزال سارية. وانطلاقا من هذا الواقع، يتعامل جنبلاط بتروٍ وعقلانية مع الحكومة الجديدة التي يفترض أن تبلور رؤية لمعالجة المشاكل، ونأمل أن تتضمن مقاربة الحكومة أفكارا جديدة. ويحتكم جنبلاط إلى المعارضة البناءة للمساعدة في تجاوز المرحلة الصعبة، التي تتخطى الحسابات السلبية لمسألة المعارضة والموالاة، ولا بد من التعامل بدرجة عالية من المسؤولية إزاء التوتر الإقليمي والتحفيز على التواصل الداخلي".

لن يكون الحزب التقدمي بعيداً من منطق التعاون مع الحكومة، وسيذكّر مثلاً باقتراحات القوانين والخطة الاقتصادية الشاملة التي سبق له أن أعدها وقدمها إلى كل الجهات، التي لو طبّق بعضها "لما وصلنا الى ما وصلنا اليه"، على قول الريّس ،الذي يؤكّد أن "التقدمي يتطلّع إلى صوغ قانون انتخاب جديد وإجراء الانتخابات على اساس قانون خارج القيد طائفي (الدائرة الواحدة) وانشاء مجلس للشيوخ، وهذا تطبيق للطائف، ويطمح بشغف إلى مرحلة يستطيع فيها تجاوز القيد الطائفي وهي بمثابة فرصة لاستعادة الحضور المناطقي للحزب خارج الإطار الطائفي، مع التأكيد على خطاب الحزب العابر للطوائف ولو أن الخصوصية الدرزية في بعض المحطات تفرض مقاربات محددة في هذا الاطار".

هواجس جنبلاط كثيرة يعبّر عنها في تغريداته، في انتظار "تقطيع المرحلة الراهنة". ويقول الريّس إنه "لا شك في أن الوصاية السورية ولو انها خرجت عسكرياً من لبنان، الا أن لديها حلفاء كثراً، وثمة قوى معروفة بسياستها التعطيلية التي تسعى إلى تخريب التوازنات وتعطيل المؤسسات لحسابات خاصة، ومن هنا لا بد من استخلاص العبر من الثورة وعدم الذهاب باتجاهات سلبية تودي بالبلاد إلى منزلقات خطيرة".

المحطّة المرتقبة الأبرز لجنبلاط ستكون قيامه بزيارة إلى موسكو لم يحدد موعدها حتى الساعة. ويختم الريّس أن "من شأن الزيارة أن تعكس الحرص على العلاقة مع روسيا وهي علاقة تاريخية يحفظها جنبلاط لموسكو التي دعمت صمود الحزب والجبل في حقبة الحرب، رغم عدم التقاطع الإيجابي في ملف الحرب السورية الذي سجل جنبلاط خلاله موقفا أخلاقياً للتاريخ بانحيازه إلى الشعب السوري".