Advertise here

لبنان خط الدفاع الأول... في مواجهة صفقة القرن

28 كانون الثاني 2020 10:30:00 - آخر تحديث: 28 كانون الثاني 2020 16:45:52

اختلطت مشاركة الكتل النيابية في جلسة الموازنة على اللبنانيين عموماً والمنتفضين خصوصاً. غلبت الحماسة الكثيرين، ودفعتهم للمطالبة بمقاطعة الجلسة وتعطيل عمل البرلمان،انطلاقاً من اندفاعتهم الثورية تحت عنوان المطالب التي يرفعونها، ورفض إقرار موازنةٍ تم إسقاط الحكومة التي تبنّتها. كل هذه الملاحظات وجيهة، ولا بد من أخذها بعين الاعتبار، ولكن أيضاً يجدر النظر إلى ما هو أبعد من كل هذه التفاصيل. ثمة جهات وأطراف في لبنان، والخارج، تسعى إلى تقويض العمل السياسي في لبنان، وتعطيل المؤسّسات للوصول إلى عقمٍ يصيب النظام فيسقطه. والمشكلة هنا هي أن الهدف من إسقاط النظام ليس الإصلاح، أو الذهاب إلى ما يرتبط بالدولة المدنية التقدمية العصرية، إنما الدخول في متاهات خيارت التفرقة والتقسيم أو الفدرلة، وذلك انطلاقاً من الطائفية المتجذرة لدى اللبنانيين، وتسعى إلى تسعيرها جهات سياسية معروفة.

يُراد للبنان أن يسقط بمؤسساته وبنيته كدولة. لذلك كان الخيار الصعب بين تحمل الانتقاد والعضّ على الجرح من جهة، أو الذهاب إلى خيارات غير واضحة المعالم تودي بالبلاد إلى هاويةٍ لا يمكن لأحد أن ينتشلها منها فيما بعد. الصراع الأساسي اليوم لدى أي طرفٍ سياسي يكمن في التماهي مع مطالب الناس والاستماع إليها وتلبيتها من جهة، مقابل الحفاظ على لبنان كدولة قائمة يتأمن فيها التنوّع السياسي والطائفي، وأي خللٍ في التوازن ما بين النقطتين يعني نهاية لبنان الذي نعرفه، وحتماً ستتقدم خيارات "تصغيره" على مقاسات بعض الحالمين، تماهياً مع ما يجري في المنطقة.

يمثّل لبنان بكيانه القائم حالياً، التهديد الأكبر للكيان الإسرائيلي. هو البلد الوحيد الذي يحوي التنوّع المذهبي والطائفي والعرقي والإثني، وفيه حياة سياسية حيوية تمارسها كل فئات المجتمع بحريّتها الكاملة، ناهيك عن ممارسة الشعائر والمعتقدات على اختلافها. هذا اللبنان لا يتلاءم مع العنصرية الإسرائيلية، وهي التي أزهقت دماءً عربية كثيرة في سبيل تكريسها منذ إعلان يهودية وقومية إسرائيل، وإلغاء حلّ الدولتين وصولاً إلى صفقة القرن. والحفاظ على التنوّع اللبناني وتعميمه في المنطقة، هو المقدّمة والحصن الأخير للدفاع عن القضية الفلسطينية، ومواجهة صفقة القرن التي سيتم الإعلان عنها، وتتضمن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، كما هُجّر السوريون والعراقيون من قبلهم، وكما حصل مع أقليات أخرى كالأيزيديين، وتشتيت الأكراد أكثر. 

لبنان يحتاج إلى إصلاح وتطوير نعم. ويحتاج إلى مكافحة الفساد، ووقف سياسة النهب والزبائنية. ولكن أيضاً أقصى ما يحتاج إليه هو الحفاظ على بنية الدولة فيه بدلاً من تحلّلها، للحفاظ على مبدأ الدولة الوطنية، بدلاً من الغرق في أوهام الدويلات المذهبية والطائفية.