Advertise here

اسئلة مصيرية في مئوية لبنان... والمختارة تواجه رياح التحولات

27 كانون الثاني 2020 13:00:00 - آخر تحديث: 27 كانون الثاني 2020 15:19:04

يوم رفع وليد جنبلاط صوته قائلاً إنه بعد مئة عام سقط اتفاق سايكس بيكو، بعد تغيير جيوستراتيجي سياسي ديمغرافي، كان يعرف أن شظايا سقوط الاتفاقية ستطال لبنان وتلفحه. من قسَّم المنطقة دويلات اتّخذت سمة وطنية بعد الحرب العالمية الاولى، يطمح الى تقسيمها أكثر وشرذمتها بين كيانات مذهبية وعرقية، بالتزامن مع الاستعداد للإعلان عن صفقة القرن، التي تحتاج إلى مبررات موضعية في المنطقة المحيطة لتبريرها. 

كان جنبلاط يقرأ التحول الجذري الذي يضرب المنطقة، وطرح سؤالاً باكراً عن مصير لبنان في الذكرى المئوية للبنان الكبير. وقد بدأت الرياح تصيب لبنان، والانفجار الاجتماعي الطبيعي الذي شهدته البيئات اللبنانية المختلفة في 17 تشرين، كان التعبير الاول عن التحول الكبير، وطبعاً قوى عديدة دخلت على خط هذا المتغير للاستثمار فيه باختراق التظاهرات وتحويل وجهتها السياسية، بحيث تبتعد عن خدمة اهداف المواطنين، وتصب في خدمة سياسية لبعض القوى السياسية. 

جُنّدت أطراف عديدة لضرب الحركة الاجتماعية الشعبية الطبيعية، وإدراجها على طاولة حسابات إقليمية ودولية، تلتقي عليها رغبات متعددة في إسقاط لبنان الصيغة والنموذج للتوازن والتنوع. فالتنوّع ممنوع في المرحلة المقبلة، والتوازن مطلوب له أن ينكسر. ولكسره لا بدّ من تصفية حسابات سياسية واستهداف مكونات أساسية، بدأت بإسقاط صيغة اتفاق الطائف وتنمية وتعزيز الخطاب المذهبي على حساب الوطني. 

يمثّل وليد جنبلاط حافظاً للتوازن اللبناني بصيغته العميقة، وهذا ما يعرفه الآخرون الذين يريدون استهداف هذا الدور الوطني في المعادلة. لذلك ينال جنبلاط قسطاً أكبر من الهجوم؛ وبالعودة الى المعادلة التاريخية فإن ضرب الجبل يعني اسقاط لبنان. 

عاشت المختارة تجارب مريرة ومديدة في استهدافاتها، لكنها صمدت وبقيت، منذ القائمقاميتين والمتصرفية الى الحرب العالمية الأولى والثانية، والانتقال الجذري الذي أرساه كمال جنبلاط إلى الدور الذي لعبه وليد جنبلاط في الحفاظ على الصيغة اللبنانية الفريدة. 

الآن الوقت مناسب للاستفادة من كل ما حصل للانطلاق نحو مرحلة جديدة. وثمة ما يفرض خوض التجربة الجديدة نظرا لكل المتغيرات والتحديات. ولأنها مستمدة من ارث جنبلاطي، فإن المختارة ستبقى مع تيمور جنبلاط قادرة على صناعة خاصيتها، بالدمج ما بين التقليد والحداثة والحفاظ على لبنان بكيانه الذي نعرفه، بعيداً عن استفاقة نزعات تقسيمية او تصغيرية لدى البعض، مقابل نزعات توسعية لدى البعض الآخر، مهما كانت المسوغات الدعائية لذلك.
 
برز كمال جنبلاط كشخصية لها بعدها الفكري العالمي المتخطي لكل الحدود، الذي تجاوز المساحة الدرزية واللبنانية والوطنية، وذهب إلى البعد العربي الرحب. ثم كانت بعده مرحلة الحفاظ على الوطنية اللبنانية من خلال الحفاظ على التنوع بالجبل. ومع هبوب رياح التحديات الجديدة فإن البوصلة الآن لحماية الوجود والحد المطلوب من الصمود تأسيساً لواقع اجتماعي سياسي حداثوي يعطي أملاً بمستقبل جديد مختلف.