Advertise here

الموازنة أم الثقة... أيهما أولى؟

25 كانون الثاني 2020 05:40:00 - آخر تحديث: 25 كانون الثاني 2020 10:09:59

يدور الجدل راهناً حول دستورية مناقشة الموازنة وإقرارها قبل منح الحكومة الثقة. وينقسم الرأي حول هذا الأمر، مع أنني لم ألحظ رأياً حاسماً وواضحاً، حيث كل من تناول هذا الأمر يبدي رأيه ويعود ليترك الباب مفتوحاً أمام الآراء الأخرى. وبرأيي مرد ذلك إلى أن أصحاب الآراء يدمجون السياسة بالنص الدستوري، أو أنهم يرغبون بانتقاد موعد جلسة مجلس النواب دون أن يكون لديهم سندٌ قانوني.

نص المادة 86 من الدستور واضح لا يقبل اللبس. وقد يكون مرد الالتباس لدى البعض ما جرت العادة عليه من ممارسات خلال سنوات متتالية خلت. 

وبالعودة إلى المادة المذكورة، وبعد أن نصّت على المهل والإجراءات، احتاطت لناحية تجاوز مجلس النواب نهاية العقد التشريعي دون البت بالموازنة، فقررت أن يقوم رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة بفتح عقدٍ استثنائي مدته شهر كانون الثاني، ليبتّ مجلس النواب بالموازنة. ثم عادت، وأيضاً احتاطت لتتجاوز مهلة الشهر الإضافي، فأعطت الحكومة حق نشر الموازنة كما وردت في مشروعها على أن يصدر بمرسوم من قِبل رئيس الجمهورية. طبعاً اشترطت لذلك أن تكون الحكومة قد أودعت مشروع الموازنة مجلس النواب قبل خمسة عشر يوماً من أول ثلاثاء يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول، أي قبل خمسة عشر يوماً من بداية العقد التشريعي لمجلس النواب.

كما أن النص احتاط أيضاً لكيفية الإنفاق خلال شهر كانون الثاني، أو خلال العقد الاستثنائي الذي أقرّته المادة في فقرتها الأولى، فيقرّر النص أنه خلال هذا العقد الاستثنائي، أي خلال شهر كانون الثاني تُجبى الضرائب والتكاليف وما شابهها كما في السابق، وتُعتمد ميزانية السنة السابقة كقاعدة مع إضافة الاعتمادات التي فُتحت. كما نصّت على أن تأخذ الحكومة نفقات هذا الشهر أي كانون الثاني على القاعدة الاثني عشرية.

إن الدستور لم ينصّ مطلقاً على تطبيق القاعدة الاثني عشرية إلّا خلال شهر كانون الثاني. وبالتالي أن يتم تجاوز هذا الشهر دون إقرار الموازنة لا يجيز مطلقاً للحكومة بالإنفاق والجباية على القاعدة الاثني عشرية، ومن بابٍ أولى على غير هذه القاعدة. 

وإن ما جرت عليه العادة خلال السنوات السابقة والمتعاقبة كان مخالفةً للدستور، وبالتالي لا يُمكن أن تخلق عرف دستوري، فالممارسات المخالفة لا يمكن أن تشكّل عرفاً مهما طال الزمن على ممارستها.

ثم أن الموازنة وردت من حكومة مكتملة الأوصاف، والحكم استمرارية، وتبديل الحكومة لا يغيّر في الأمر شيئاً. فماذا لو أقرّت الموازنة، واستقالت الحكومة في الأسبوع التالي؟ فهل نعود لدرس موازنة جديدة؟

إقرار الموازنة محكوم بسقف زمني دستوري لا يجوز تجاوزه، بحيث يجب إقرارها قبل نهاية الشهر الأول، وإلّا وجب دستورياً وقف الجباية والإنفاق إلى حين إقرارها، خاصة إنها لم ترد الى المجلس النيابي خلال المهلة التي حددها الدستور ليكون للحكومة الحق في اقرارها كما وردت.

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.