Advertise here

الخروج من الطائفية السياسية: أما آن الأوان؟

25 كانون الثاني 2020 05:15:00 - آخر تحديث: 25 كانون الثاني 2020 05:42:59

هزّت الثورة أسس النظام الطائفي والمذهبي وهذا تطور جيد، لكن إحداث هذا الإهتزاز شيء، وإسقاط النظام شيء آخر، ذلك أن النفوذ الطائفي يتغلغل في كل مفاصل المجتمع وينتشر أفقياً في كل أرجائه وليس عامودياً أسوةً بالأنظمة الديكتاتورية حيث يؤدي إسقاط الرأس الى تلاشي الأقسام الأخرى وإنهيارها بشكلٍ فوري.

هذه القراءة لا تندرج في إطار الإطباق على محاولات التغيير والتخلص من هذا النظام، بل على العكس تهدف إلى الإشارة لسبل التغيير المنشودة لا سيما وفق الأسس الديمقراطية ومن خلال القنوات والأطر المؤسساتية. إذ أن خيار الإنقلاب العسكري في لبنان غير وارد، (عدا عن كونه مرفوض أصلاً!).

لقد نص إتفاق الطائف على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس الشيوخ (لضمان التمثيل الطوائفي) وإنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي (كان من المفترض أن يحصل منذ سنة 1996). إن هذه الخطوات المتلازمة تتيح تحرير الحياة الديمقراطية والبرلمانية من التمثيل الطائفي وتضمنها في إطار مجلس الشيوخ كي لا تقلق الطوائف وتتوجس من ضعف تمثيلها النيابي إذا حصل.

النظام المجلس المزدوج معتمد في العديد من الأنظمة الديمقراطية. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأميركية، يتشكل "الكونغرس" من مجلسي النواب والشيوخ. في مجلس النواب تتمثل الولايات بعدد مقاعد يوازي نسبياً حجمها وعدد سكانها، بينما تتساوى الولايات في التمثيل بمقعدين فقط بمعزل عن حجمها وعدد سكانها في مجلس الشيوخ. وبالتالي، يكون مجلس الشيوخ المؤسسة التي تضبط فيها حقوق الولايات التي قد تتعرض للقضم في مجلس النواب بسبب موازين القوى والأحجام والأوزان السياسية والتمثيلية.

إن إنتقال لبنان إلى نظام المجلسين، عدا عن أنه تطبيق للدستور إلا أنه قد يفتح الباب أمام التغيير المنتظر الذي يتيح للمواطنين اللبنانيين أن يتساووا أمام القانون وألا تشعر شرائح واسعة منهم أنها تقع في درجة ثانية أو ثالثة أو رابعة. مثلما حصل عندما عطلت بعض الأطراف السياسية تنفيذ قرارات تعيين الفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية، ما يعكس رغبتها في توسيع نطاق السيطرة الطائفية بدل تقليصها!


إن الفشل في النفاذ نحو نظام سياسي جديد يلفظ الطائفية السياسية ويكرس المساواة بين المواطنيين سوف يعني تأبيد النظام الطائفي الحالي بحيث سيصبح الخروج منه أو تجاوزه مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد.

هل يعني ذلك أن ثمة حاجة للتفاهم على صيغة سياسية وربما ميثاقية جديدة تحل محل إتفاق الطائف إرتكازاً إلى موازين قوى جديدة أو متغيرات أو تحولات في المحيط؟ سؤال للنقاش.