Advertise here

لبنان بات في مكان آخر... وسلطة موازية لإدارة الحكومة

23 كانون الثاني 2020 10:00:00 - آخر تحديث: 23 كانون الثاني 2020 13:50:32

بكل واقعية، وبعيداً عن أي حماسة أو عاطفية. فإن لبنان دخل مرحلة تحوّل كبير في تاريخ وجوده وكيانيته. لا مجال هنا لتقييم أداء الإنتفاضة أو الثورة، إنما من يتحمل المسؤولية هي بعض القوى السياسية المستأثرة والباحثة فقط عن مصالحها، والتي كانت تعرقل كل ما يرضي اللبنانيين. وكأنّ هؤلاء المعرقلين لديهم دور محسوب ومرسوم في تدمير ما تبقى من لبنان، بصيغته الأساسية التي نشأت قبل 100 سنة.
 

قبل ست سنوات، فرضت الواقعية منطق إنتهاء صيغة سايكس بيكو التي نشأت قبل مئة سنة من العام 2014. أذيبت حدود، وتغيرت معالم دول، جرى إنتقال ملايين البشر من مناطق جغرافية إلى مناطق أخرى، كان لبنان جزءاً من مواطن اللجوء. عملية التغيير البشري والديمغرافي كانت تتلاءم مع نظرية تكوّن العالم الجديد وسقوط النظام العالمي المعروف. وهي تغيير الخرائط، وتهجير المدنيين، مقابل إنشاء كانتونات عسكرية وسياسية وواقعية، بشرياً وطائفياً ومذهبياً وعرقياً.


جزء من هذه اللغة واللهجة، كانت تستوطن خطاب هؤلاء المسؤولين اللبنانيين الذين مارسوا استعلاءً تفوّقياً على الشركاء في الوطن، ولم يترك فرصة بدون استفزاز الجماعات الأخرى، عبر نبض القبور وإيقاظ الشرخ الطائفي الذي لا يؤدي لغير التقسيم. تحت هذا السقف، وما أصبح معروفاً بدخول صفقة القرن حيز التنفيذ، فهي بلا شك سيكون لها تداعيات جيو استراتيجية هائلة على العالم بأسره، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
 

لبنان لن يكون بعيداً عمّا يرسم في هذه الصفقة، وهي طبعاً نتاج لكل عمليات التقسيم والتهجير التي شهدتها الدول العربية في السنوات الأخيرة. لبنان يمثّل أهمية استراتيجية في صفقة القرن هذا، وبنموذجه التعددي والمتنوع يشكّل أكبر المخاطر على إسرائيل العنصرية والتي لا ترضى بغير الأحادية وتسعى إلى إنهاء حلّ الدولتين، لصالح قومية ويهودية كيانها.


هنا لا يمكن فصل لبنان والفوضى التي يسعى كثر إلى إغراقه بها، سياسياً، شعبياً، اقتصادياً، مالياً، أمنياً وعسكرياً، وهذا ما تم في سبيله تجويف الحركة الشعبية وانتفاضة الوجع والجوع التي اندلعت في 17 تشرين عن أهدافها، خاصة أن الوقت والوضع في لبنان لا يسمحان في لبنان حالياً لأي استقلالية عن ما يجري في الخارج. ما سمح بوضع البلد على مشرحة لعبة الأمم، التي تدعم الإنتفاضة حيناً، وتتخاذل عن دعمها أحياناً لصالح الذهاب إلى مفاوضات سرية من هنا وهناك، مع قوى مختلفة، لأجل المضي نحو المخطط الجديد والمرسوم، عندها سيجد اللبنانيون أحلامهم قد تلاشت، وربما تحولت إلى كوابيس، بانتهاء الصيغة التي كانوا يعرفونها وتتيح لهم حرية كاملة في الممارسة السياسية والإقتصادية.


في الممارسة السياسية لمفاعيل التسوية الرئاسية، سقط إتفاق الطائف والمناصفة بشكل عملي بعيداً عن النصوص. بعد تشكيل حكومة حسان دياب، وبنظرة واقعية أيضاً، أصبح من الواجب الإعتراف بأن ما وصل إليه لبنان هو تحلل منطق الدولة ومؤسساتها، لصالح تشكيل مؤسسات متوازية. فمثلاً الحكومة التي تشكلت، ستكون سلطة بذاتها، وإلى جانبها أو وراءها سلطة موازية أخرى، هي سلطة الأحزاب الفعلية التي عملت على تشكيل هذه الحكومة وانتداب الوزراء فيها، وهذا سينطبق على مؤسسات أخرى، أمنية ومالية وإقتصادية، لا سيما مع التغير الجذري الذي يشهده النظام الإقتصادي والمصرفي اللبناني. أصبح لبنان في مكان آخر كلياً.