Advertise here

ليحكموا.. ولتعارضوا!

22 كانون الثاني 2020 14:21:01

باتت لدينا حكومةٌ في لبنان، استُنزفت كل العبارات- السلبية في الغالب- في توصيفها، منذ لحظة تكليف رئيسها الدكتور حسان دياب حتى الساعة، وإلى أن يحدث ما قد يذهب بها كما أتت.
 من أبرز الصفات التي تكاد تختصر كل مبرّرات معارضة هذه الحكومة والدعوة إلى إسقاطها، بل إجهاضها قبل أن تولد، هي أنها "حكومة اللون الواحد"! وهي كذلك، ولكن هل أتحفتنا الحكومات "المتنوّعة" المتعاقبة بإنجازاتٍ حملت البلاد من حالٍ إلى أفضل؟ أم أنّ تركيبتها وأداءها وذهنية المحاصصة واعتمادها تقاسم الفساد وحماية الفاسدين والمفسدين هي التي أوصلت الشعب اللبناني إلى حدّ الانفجار؟ هل يذكر أحدنا إنجازاً يتيماً حققته حكومات "الوفاق الوطني" و"الوحدة الوطنية" التي يتناقض مضمونها مع اسمها؟ أليس الحكم في المعهود قائماً على لونٍ واحد يحكم ولونٍ آخر يعارض؟ ألم نختبر نتائج الصراعات داخل الحكومات بين وزراء يدّعي كلٌّ منهم أنه يطالب بحقوق "شعبه" ويرفض تهميش طائفته أو تغييب مذهبه ويصارع ومن ورائه زعيمه لرفع "حصته" من الوزارات "الدسمة" التي يسمّونها "سيادية" بحجة خدمة "شعبه"، فيما الغاية منفعةٌ لا تتجاوز الزعيم والملحقين به؟ ألم توصلنا تلك البدعة التي قيل أنها لإنقاذ لبنان من الفراغ، والتي جمعت المتناقضين للتوافق على انتخاب رئيسٍ للجمهورية استناداً إلى الاتفاق على الحصص ليس بين المتناقضين فحسب، بل بين أطراف "الشعب الواحد"، إلى المزيد من الفراغ والإمعان في نهج الفساد ونهب خيرات الوطن و إفقار المواطنين وإذلالهم عبر استمرار حرمانهم من أبسط حقوقهم؟ 
فلتكن إذاً "حكومة اللون الواحد"، لعلّ في ذلك حدّاً أدنى من التوافق أو الانسجام الداخلي الممكن أن يسهل التوافق على اتخاذ قراراتٍ والعمل على تنفيذها لا إعاقة إقرارها. 
فلنخض هذه التجربة التي أثبتت أيام الثورة التي تقرب من المئة أن البديل عنها هو الذهاب إلى المجهول- المعروف والذي لاحت بوادره أخيراً عراضاتٍ مذهبية وشحناً طائفياً ودفعاً للناس إلى الحد الأقصى من الغضب والتعبير عنه تخريباً لمؤسساتٍ وممتلكات عامة وخاصة. 
لعلّها الفرصة السانحة للجميع لإظهار كلٍّ منهم حجمه وقدرته على الفعل والتأثير وحتى التغيير: فالفريق الواحد الذي تتشكل منه هذه الحكومة سيجهد لتأكيد أنّه البديل الأفضل والأنظف والأكثر كفاءةً وقدرةً على خدمة البلاد وصون حقوق العباد، من كل الذين سبقوه.. والفريق المعارض الذي بات خارج جنّة الحكم سيجهد لإثبات فشل الفريق الحاكم، لدعوة الناس لاحقاً إلى إعادة منحه الثقة.. وبين الفريقين يبرز للمرة الأولى "الفريق الحكم"، وأعني به الثوار المنتفضين والرافضين للمسار ذاته في الحكم ولأنصاف الحلول، والذين سيكونون بمثابة السيف المسلط على أداء "حكومة اللون الواحد"، مع استعدادهم الدائم  لملء الساحات باعتراضاتهم التي فرضت استقالةً منقوصة للسلطة الحاكمة، وقدرتهم على إسقاط ما تبقّى منها في حال استمرار النهج إياه والفشل أو التأخير في التصدّي للمشاكل القاتلة التي يواجهها الوطن.

فليحكموا إذاً، وليعارض الآخرون، ولتبقوا أنتم على أهبّة الاستعداد للمحاسبة والتغيير الجذري هذه المرة.

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.