يكاد يكون أفضل ما حققته إنتفاضة اللبنانيين، هو تشكيل حكومة اللون الواحد التي أُخرجت لهم ليل الثلاثاء. طبعاً هي ليست نتاج مطالبهم وآمالهم وتطلعاتهم، لكنها ستعيد الزخم إلى تحركاتهم وتبلور تصوراتهم أكثر في ضرورة تصويب الموقف السياسي المترابط مع المطالب الإقتصادية والإجتماعية.
هذه الحكومة ستكون "كيس الرمل" الذي سيصوّب عليه اللبنانيون لكماتهم وضرباتهم، وهي التي ستتحمل مسؤولية إدارة الإنهيار الإقتصادي والمالي والسياسي المقبل عليه لبنان.
ويمكن لهذه الحكومة، أن تمنح فرصة للقوى اللبنانية المختلفة، لإعادة الإعتبار إلى الحياة السياسية عبر لعبة موالاة ومعارضة، بدلاً من كل صيغ التعطيل والإستئثار بذريعة حكومات التوافق والوحدة الوطنية، التي تكون عملياً حكومات للتعطيل وللتمترس بدلاً من الحلّ والتعاون.
ليتحمل فريق الأكثرية مسؤوليته، وتعمل قوى المعارضة على إعداد العدّة لمواجهته وتحضير برامجها لخوض الإنتخابات على أساسها، وبعدها بحال نجاحها تشكّل حكومتها.
تشبه الحكومة الحالية بتركيبتها والقوى التي تدخلت في عملية تشكيلها، حكومتي العام 1998 وحكومة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد هاتين الحكومتين كانت المعارضة تحقق اكتساحاً في الإنتخابات. فيمكن للمعارضة ولقوى الإنتفاضة التحضير لتلك المرحلة، خصوصاً أن اللعبة السياسية جولات ومعارك، يتقدم فيها المرء أحياناً، ويتراجع أحياناً أخرى.
سيكون أمام هذه الحكومة، استحقاقات كثيرة وعقبات كبيرة، تبدأ بالوضع الإقتصادي والمالي، الذي لا ينفصل عن الواقع السياسي الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط برمتها، ولبنان من ضمنها، وبما أن الحكومة هي حكومة لون واحد، فسيكون من الصعب جداً الحصول على مساعدات مالية لإنقاذ الوضع الإقتصادي ووقف الإنهيار المالي طالما أن الدول العربية لن تقدّم الدعم. وسيكون لبنان أمام مرحلة جديدة، عصيبة ومفصلية.
وفيما الحكومة جاءت على مقاس بعض القوى السياسية من ضمن الحلف الواحد، فهي لم تلبّ تطلعات اللبنانيين، وقد نزل اعداد منهم إلى الشوارع والساحات للتظاهر وقطع الطرقات احتجاجاً على تشكيلها وابتعادها عن مطالبهم، وهي حتماً ستفسح بالمجال أمام زيادة التحركات والإحتجاجات، التي ستأخذ أشكالاً متعددة ومتنوعة.