Advertise here

أبعد من أزمة لبنان .. هو قرار بتدمير الإنسان!

21 كانون الثاني 2020 15:22:13

بعيداً عن السياسة وفوضى الأخبار والتحليلات المتضاربة التي يعجز العقل البشري عن مواكبتها كلّها، كما يعجز الجانب الإنساني عن تقبّلها لكثرة ما فيها من تناقضات وتلفيقات أكثر ما تنمّ عنه هو انعدام المسؤولية، واستمرار بعض أركان السلطة القابضة على البلاد ورقاب العباد فيها، بإنكار حالة الرفض الثوري المتصاعد في صفوف الناس...

وبعيداً عن الوقائع وما تعكسه من انهيار اقتصادي اجتماعي سياسي بات أمراً واقعاً، فإن أكثر ما يقلقنا كأمهات، أثناء تصفّح الأخبار ومواقع التواصل الإجتماعي مؤخراً، ووسط هستيريا الكره والكره المضاد، والحقد والحقد المضاد، هو مصير ومستقبل منظومة القيم والمفاهيم الإنسانية الأساسية التي كنا وما زلنا نحاول ترسيخها في شخصيّات أولادنا، وهذا بعضها: 

أولاً: هيبة الدولة، القوى الأمنية تحديداً! فكيف يصدّق ولدٌ يتابع ما يقوم به بعض عناصر القوى الأمنية في ردع المتظاهرين، أن عناصر الجيش والدرك ليسوا مخيفين، بل أنهم وُجدوا لحمايته من كل اعتداء؟!

ثانياً: ثقافة اللاعنف! فكيف نقنع الأولاد بأن ثقافة اللاعنف هي المثال الأرفع لإنسانيتنا، وهم يتابعون العنف الثوري من جهة، ومن جهة ثانية ممارسات القوى الأمنية ضد مواطنات ومواطنين عزّل ثاروا لأجل لقمة عيشهم/ن، في مشاهد عنيفة كنا نظن أن صفحتها طويت إلى غير رجعة؟!

ثالثاً: الأمن والأمان في وطنهم الأم! فنحن اللواتي نربي أولادنا على أن "ما في أحلى من لبنان"، بأي وطن يمكن أن نعدهم اليوم وهم يشهدون بأم العين تهاوي كل مقومات الصمود في هذا البلد، في حين يتمادى أرباب السلطة في ممارسة ترفهم السياسي فوق وجع الناس وهمومهم المتراكمة؟!

رابعاً: الحشمة والاخلاق وأدب الكلام! صحيح أننا في بلد تعتبر حرية الرأي والتعبير إحدى المسلّمات الأساسية التي لا نقبل بأن يتم التفريط عنها، بل نحن من المدافعات والمدافعين عنها بشتى الأساليب. لكن أن يصبح كيل التهم والشتائم والتحريض على الغير والتنمّر وخرق الخصوصية والمس بالأعراض نهجٌ مباح من قبل الناس، كل الناس، بغض النظر عن مواقعهم من السلطة او خارجها، فهو واقع مأساوي ينبغي أن نتوقّف عنده كأمهات نربّي أولادنا على التفكير الدائم بأفضل أساليب التعبير قبل التفوّه بما يمكن أن يندموا عليه أو أن يتسببوا بالأذى للآخرين بفعله!

خامساً وليس أخيراً: احترام كبار السن! ونحن الذين نتعب لترسيخ هذا المفهوم في سلوكيات جيل لا يعترف إلا بمن يتلاقى مع اهوائه ومصالحه، نشهد محامياً مخضرماً يهان من قاضٍ ذي نفوذ، لمجرد أن سمعه بات ثقيلاً بفعل سنه المتقدم! 

ليست هذه المفاهيم الضائعة على قلتها سوى غيضٌ من فيض، في بلدٍ يظن كثيرون أن الأزمة فيه أزمة حكمٍ يؤول إلى السقوط فحسب، أو أزمة ثقة عميقة بين السلطة والناس فقط، في حين أن الأزمة الأخطر والأكثر فداحةً فيه، هي أزمة المفاهيم المغلوطة والقيم الضائعة!
 
لكأن قراراً صارماً اتّخذ بتدمير الإنسان في لبنان قبل كل شيء، وإذا أردت أن تدمر أمّةً يكفي ان تدمر الانسان فيها!

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه