Advertise here

لبنان تحت مظلة التسوية الأميركية - الروسية

21 كانون الثاني 2020 09:36:17 - آخر تحديث: 21 كانون الثاني 2020 09:36:18

بعيداً عن لغة المكابرة. بعيداً عن بعض المهاترات بالخطابات، وبعيداً عن الشعارات الرنانة والفضفاضة، والتي يحاول البعض رفعها بصخبٍ إعلامي لتحويل الأنظار عما يدور حقيقةً على ساحة الميدان في لبنان، لا بدّ من قراءةٍ موضوعيةٍ لمجريات الأحداث وفق التطورات الإقليمية والدولية، والتي ترخي بظلالها على العمل السياسي في لبنان.

من دون شك، فإن العصر الأميركي مع دونالد ترامب يختلف كلياً عن جميع مَن تبوؤا الرئاسة الأميركية في العصر الحديث. وبغضّ النظر عن الاتهامات الموجهة إليه، تارة بالجنون وأخرى بالتهوّر، إلّا أنه يتمتع بشجاعةٍ ووضوح غير آبهٍ بالارتدادات، ويفتح أوراقه فوق الطاولة، ويفرض شروطه علناً. وما المواجهة التي جرت مؤخراً مع إيران من خلال اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، والرد الإيراني لحفظ ماء الوجه، إلّا صورة واضحة عن العزم الأميركي مع حكم ترامب. وقد دخل العامل الروسي على الخط بعد أن أدرك مدى التوجّه الأميركي، فأنذر الجانب الإيراني بتوخي الحذر بطريقة الرد كي لا تأتي الضربة الأميركية قاسية في العمق الإيراني.

وبما أن الجانب الروسي يريد موطئ قدم على الساحل الشرقي للمتوسط، وبما أن هذا الأمر لا يشكّل ضرراً، أو خطراً للجانب الأميركي، وذلك في ظل اهتمام الأخير بتطور وتقدّم المارد الاقتصادي الصيني، فقد تمّ جزءٌ من التسوية الدولية بين الأميركيين والروس في تقاسم نفوذهما، من العراق مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان، وخاصةً على النفط.

وطبعاً في التسويات الدولية تسقط أوراقٌ كثيرة من التداول. ومن بين تلك الأوراق الورقة الإيرانية في سوريا، إذ لم يعد لها دور في السياسة السورية حيث تسلّم الروس هذه المسألة، إضافةً إلى غضّ النظر الروسي عن الضربات الإسرائيلية للوجود الإيراني وحزب الله في سوريا.

وفيما خصّ لبنان فإن مجريات الأحداث منذ استقالة الرئيس سعد الحريري قلبت الأمور رأساً على عقب. والكل يعلم أن تحالف حزب الله – التيار العوني كان قطعاً ضد استقالة حكومة الحريري، لأنه غير قادر على الإتيان بمثيلٍ لها، والتي تؤمّن لهما الغطاء ويتحكمان بمسارها. بعد ذلك جاء اقتراح تسمية الدكتور حسّان دياب من قِبل رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، كون الدكتور دياب نائباً لرئيس الجامعة، وبالتالي ظهر جلياً بأن الولايات المتحدة الأميركية ترعى هذه التسمية. وقد جاءت موافقة تحالف السلطة على هذه التسمية انطلاقاً من عجزه عن إيجاد البديل، وفي ظل تصاعد الضغط الأميركي على محور الممانعة.

إن تسمية الدكتور دياب أتت من خلال التسوية الأميركية – الروسية، وبالتالي فإنه لا دور فيها للجانب الإيراني. أما ظهور تأييد مخلفات بقايا عهد الوصاية السورية على لبنان لتكليف الدكتور دياب فهو انعكاسٌ واضحٌ للعامل الروسي الذي أصبح يدير السياسة السورية. وعليه فإن الخلافات التي ظهرت قبيل التأليف ما هي إلا لتحسين شروط ومواقع للأطراف المشاركة في الحكم، لأنها تدرك أن الأمور لن تنتهي مع تشكيل الحكومة بل ستبدأ معه. فالضغوط الأميركية إلى تصعيدٍ مستمر، ولن يترك الأميركيون وسيلة ضغط اقتصادية ومالية ليس إلّا، وسيمارسونها من أجل إدخال إيران في مفاوضاتٍ مشروطة. والهدف الأميركي لم يكن يوماً إسقاط النظام الإيراني بل تطويعه، لأن الأميركيين بحاجة إلى إبقاء التوازن ذي البُعد المذهبي في المنطقة.

أمام هذه الصورة، نستغرب كيف أن البعض يتباهى بالتصدي لمشاريع ومخططات دولية. وهذا البعض غير قادرٍ على المساعدة في إخراج لبنان من الأزمة التي يتخبط فيها، ولغة التهديد والوعيد التي تعوّد على أدائها، لن تجدي نفعاً لأنه أصبح في مأزقٍ حقيقي يتخبط فيه.

إن العقلية والذهنية، التي تتحكّم بالبعض الذي يمارس السلطة في لبنان، تُدخل البلد في نفقٍ مظلم لأنه يتعاطى قشور العمل السياسي، ولا يهمّه سوى تبووء الكراسي، واكتساب بعض المصالح الخاصة والضيّقة.

*رئيس جمعية كمال جنبلاط الفكرية