Advertise here

لبنان يقرع جدران الخزان

19 كانون الثاني 2020 18:12:08

حين تأخر سائق "الستيرن"، ما أدى الى إختناق الشبان الفلسطينيين المختبئين من حرس الحدود بين الأردن والكويت، في الخزان، بعد معبر صفوان، ورمى بجثثهم، فوق المكب، صعد صوت ردده الصدى يقول: لماذا لم يقرعوا جدران الخزان.. لماذا... لماذا...( رجال في الشمس: غسان كنفاني). 

وليلة السبت - الأحد، ليلة حرق الخيم في اللعازرية وساحة الشهداء في بيروت، في 18/1/2020، خشي اللبنانيون على أنفسهم من الموت، بعد ثلاثة أشهر من نزولهم إلى الشارع، إحتجاجا على سرقة مالهم وسرقة وطنهم وسرقة حقوقهم، وإحتجاجا على النداء بتهجيرهم، والنداء بقمعهم، والنداء بأخذهم بالقوة، إلى بيت الطاعة الفاسد والمدنس والمشبوه والموبوء. فتنادوا لقرع جدران الخزان، قبل أن يفوتهم الوقت ويختنقوا في داخله، وتتعفن جثثهم وترمى على الطرقات كما في المجاعات.

 أدرك اللبنانيون ولو متأخرين، أن سائقهم، ليس إلا مهرّبا غير مسؤول. وأن حارسهم، ليس إلا مغفلا غير معقول. وأن "الستيرن" الذي هم فيه، لا يحمي أرواحهم ولا أبدانهم، ولا يوصلهم إلى أحلامهم. فأخذوا يقرعون جدران خزانه، وينزلون منه، جماعات جماعات، من عكار ومن طرابلس ومن جبيل والبترون، ومن بيروت ومن صيدا ومن النبطية، ومن صور. ومن الشوف والغرب والإقليم، والبقاعين، وصولا إلى جرود الهرمل وأعالي المكمل وصنين.
 
تسعون يوما، وهم في الخزان، حتى كاد أن يختنق بهم لبنان. فخشوا على وطنهم الصغير، أن يلف بالعلم وبالكفن. فترجلوا يدقون جدران الخزان، بعدما قرع صغارهم وشيوخهم، ونساؤهم، الطناجر والصحون.

تداعوا الليلة لقرع جدران الخزان، من النهر الكبير، إلى رأس الناقورة. وقاموا قومة رجل واحد مرفوع الرأس، بعدما نكست رؤوس الرؤساء عن هاماتها، وأردت هذة الرؤوس،  الأرز بفؤوسها، ونهبت مال الأرامل واليتامى والأبناء والآباء، وودائع العرائس والجنائز، وأموال المشافي والمصحات، وأموال المودعين والموظفين، وجنى السنين. 
إنقلبوا الليلة على كهنتهم. إنقلبوا الليلة على سدنتهم. إنقلبوا الليلة على هياكلهم. دقوا أعناق الأصنام، حين دقوا جدران الخزان. 
أمهلوهم تسعين يوما، وما حصدوا منهم غير الإهمال. وكلما أمهلوهم يوما زائدا، كانوا طغاتهم يزيدون في إهمالهم يوما زائدا. يمعنون في إهمالهم، وكأنهم يعيشون قبل السابع عشر من تشرين.

لم يعد شعب هذا اليوم إلى الخنوع والسكينة والفزع، بعد اليوم. شب عن الطوق وخرج من الحظيرة، مثل الجواد الأصيل. ونادى على الخانعين، وعلى الباعة المتجولين. ونادى على المتاجرين. ونادى على السماسرة، ونادى على المأجورين، أن يسمعوا قرع الجدران. 

نادى عليهم بنص من الدستور: تشكيل حكومة حيادية تماما لمرحلة إنتقالية، تضع قانونا إنتخابيا واحدا لكل لبنان، خارج القيد الطائفي، وتدعو لإنتخابات نيابية فورية، لإنتاج السلطة، كما في كل بلدان العالم، بلا طوائف، تلي الأحكام.

شعب لبنان اليوم، ليلة حرق الخيم، سوف لن ينام في العراء. سيلتحف بعلمه كنفا ولو كفنا، وسيقرع لهم العصا، إن لم يستيقظ المحنطين في قصورهم وفي مجالسهم، قرع الطناجر والصحون، و إن لم يستيقظهم بعد، قرع جدران الخزان.

فشعب لبنان بعد حرق الخيام، سوف لن ينام.

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.