Advertise here

التكليف بين نارين

14 كانون الثاني 2020 19:25:43

أسفر الخطأ البشري - كما أسمته القيادة الإيرانية - عن كارثة حقيقية كان نتيجتها مقتل مئة وستة وسبعين إنساناّ، وعن خرق فاضح للقوانين الدولية التي تضمن سلامة الطيران المدني وسلامة المدنيين أثناء الحروب؛ وشكلّ سابقة لا مثيل لها لكون الطائرة المنكوبة انطلقت من مطار طهران ولم تخترق الأجواء الإيرانية؛ أي أنها كنت لحظة إسقاطها من قبل الحرس الثوري الإيراني في حالة ذهاب وليست في حالة إياب؛ وهذا ما يثير الاستغراب والتساؤل، هل ما حصل هو خطأ بشري أم قرار؟ وربما لن يعرف أحد الجواب على هذا السؤال.

أما في لبنان فلا مجال عندنا للأخطاء البشرية؛ كوننا في ظل عهدٍ رجالُه على طريق القداسة، وحلفاؤه من المكشوف لهم أسرار الغيب؛ فهم لا يخطئون، ولكي لا يقعوا ضمن دائرة الخطأ البشري اختاروا بديلاً لتأليف الحكومة؛ وكانت فرحة النجاح بصحة اختيارهم تجتاح جميع أروقة العهد لكون ما حصل ابتكاراً غير معروف او مسبوق في عالم السياسة وله من الكفاءة في جذب المصورين لأخذ الصور المبهرة.

لكن المفاجأة الغريبة هي أن البديل وقع ضحية صراعاتهم، فهو لا يقبل التحكم اللاحق وهذا يجعل من كل العملية غير فعّالة؛ والكارثة الكبرى ان الإختيار تم قبل التحولات الإقليمية المتسارعة والتي أعادت خلط الأوراق من جديد في المنطقة بخلاف عملية التسوية التي أنتجت التكليف ما أوقع الصدام بينهم فسقطت التسوية واحترق البديل. لكن هذه المرة ليس بسبب خطأ بشري، بل عن قصد وبفعل الإرتهان لقوى الصمود والتصدي كما يسمونها وبفعل مخالفتهم لتحييد لبنان عن الصراعات والنزاعات الدائرة في دول الجوار، وبسبب الجشع والإستئثار والتفرد والاستهتار بحق الشعب اللبناني ومطالبه المحقة التي نادى بها منذ السابع عشر من تشرين الأول وما زال حتى اليوم.

لكن هل من يسمع؟ وهل هناك من تسويات جديدة يُحضّر لها؟ وهل ما زال الوقت سانحاً للتسلية بمصير الشعب اللبناني وبإقتصاده وبلقمة عيشه في ظل هذا الانهيار الذي نعيشه على جميع المستويات؟؟

لقد آن الآوان للعهد وحلفائه أن يستمعوا لصوت العقل لصوت الشعب وليس لبديله وأن يقلعوا عما هم عليه وإن يحترموا إرادة الشعب بتسمية رئيس للحكومة مستقل يطلقوا يده ليشكل حكومة إنقاذ من الاختصاصيين المستقلين؛ وأن يؤمنوا حياد لبنان عن الصراعات الإقليمية حتى لا نحترق مجدداً بنار الصانع والمبرمج وبرعونة المتحكم المزعوم.

 

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.