Advertise here

عن الساحات العربية المستباحة!

11 كانون الثاني 2020 08:05:00 - آخر تحديث: 11 كانون الثاني 2020 10:54:19

بمعزل عن التداعيات الخطيرة التي قد تشهدها المنطقة جراء التصعيد غير المسبوق بين واشنطن وطهران وهو الأعلى سقفاً منذ أزمة الرهائن التي وقعت مباشرة بعد الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، لكن الأكيد أن إغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني هو تطور كبير على مختلف المستويات.

الأبرز أن الصراع الدائر منذ عقود بين البلدين لم يحصل على أرض أي منهما، حتى التطور الأخير حصل على الأرض العراقية والرد الإيراني استهدف القواعد الأميركية في العراق، والضغط المتبادل حيال بقاء أو مغادرة القوات الاميركية يمارس على الأطراف العراقية من الجهتين!

ضربة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران فتحت النقاش أيضاً داخل الولايات المتحدة. مجلس النواب الأميركي وافق على مقترح يحد من قدرة ترامب على العمل العسكري ضد إيران ثم يحيله إلى مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الحزب الجمهوري، وتالياً من غير المتوقع أن يحقق هذا المقترح فرقاً كبيراً. أساساً، الرئيس الأميركي نفسه أعلن أنه لا يريد الذهاب إلى الحرب، والأمر ذاته ينطبق على طهران. يستطيع الطرفان مواصلة لعب سياسة حافة الهاوية دون الوقوع في الانفجار الكبير، والساحات التي يمكن أن تكون ملائمة لتبادل الرسائل عديدة.

في الداخل الأميركي يتمحور النقاش أيضاً حول الإستراتيجيات الاميركية الشاملة ويذهب بعض المحللين) وأحدهم نشر مقالاً على صدر الصفحة الأولى من صحيفة "نيويورك تايمز") أشأر فيه إلى أن المشكلة هي في غياب أي استراتيجية أميركية جدية وشاملة تحدد دور واشنطن عل  الصعيد الدولي. 

ويذهب الكاتب إلى حد القول أنه قلما عرفت أميركا إستراتيجية شاملة وما يمارس حالياً هو "بقايا" سياسات حقبة الحرب الباردة التي لم تعد تتلاءم مع شكل وطبيعة التحديات الدولية. حتى غزو العراق سنة 2003 رداً على اعتداءات 11 أيلول 2001 بذريعة أسلحة الدمار الشامل لم يكن متلائماً مع الإتهام وتبين أنه كان خياراً مدمراً دون أن يعني ذلك أن النظام الديكتاتوري العراقي السابق كان يستحق البقاء وقد عرف عنه بطشه وقمع لمكونات واسعة من الشعب العراقي.

ويعتبر كاتب آخر هو توماس فريدمان الذي ألف عدداً من الكتب عن الشرق الأوسط، أن النفط الذي يشكل احد أبرز الصراع الأميركي – الإيراني في المنطقة لم يعد هو العنصر الاساسي الذي لا يمكن الاستغناء عنه في المستقبل القريب معتبراً أن "الداتا" باتت الأساس، مذكراً أن الخروج من العصر الحجري لم يكن بسبب عدم توفر المزيد من الحجر، بل لأنه تم اختراع أدوات جديدة تتيح ذلك الخروج.

خلاصة الأمر، كم هو مؤسف أن توضع الشعوب العربية امام خياري الدكتاتورية والتسلط والقمع أو الفوضى والتدخل الخارجي والساحل المستباحة. لقد خرجت الشعوب العربية، كل شعب على طريقته، للمناداة بالحرية والكرامة والعيش المشترك وتقاربت ردود أفعال السلطة في كل بلد. النظام السوري جر البلاد إلى الحرب، النظام السوداني تنحى بعد تقسيم البلاد إلى شطرين، ليبيا تخندقت وتشظت وتحولت جزراً أمنية.

العراق يعيش فيه الفساد رغم ثرواته وتاريخه وتراثه، ولبنان لا يزال يتحكم فيه النظام الطائفي والمذهبي ويحول دون الإصلاح الحقيقي.
إن ممارسات السلطة في الدول العربية هو السبب في تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والإجتماعية والمعيشية وليس خروج الجماهير للمطالبة بحقوقها المشروعة لكن في نهاية الأمر، لا بد من الخروج من هذه الكبوة واستعادة زمام المبادرة السياسية.