Advertise here

تحليل نفسي لحالة المرأة المُعنّفة

09 كانون الثاني 2020 18:40:00 - آخر تحديث: 09 كانون الثاني 2020 20:09:55

إنّ المرأة التي تتعرّض للعنف تعاني عادةً من الخوف الشديد، والشعور بالعجز والإحباط، وصولاً إلى الإكتئاب. وفي أغلب الأحيان تتصرّف بشكلٍ يُظهِر حالة الخضوع والرضوخ الكامل لكي تتفادى التعرّض للمزيد من التعنيف، ولكنها تشعر بداخلها بعدوانية كبيرة. وقد تنفجر هذه العدوانية في لحظةٍ معيّنة حيث تتخطى فيها حالة الخوف.

بعض الحالات تلجأ المرأة المعنّفة، وغير القادرة على الابتعاد عن تلك الظروف، إلى تفريغ عدوانيتها على أطفالها، وبحيث تقوم بدورها بفعل التعنيف بشكلٍ لا إرادي كمُتنفسٍ لما تتعرّض له من عنف.

بشكلٍ عام إنّ التبِعات النفسية للتعنيف كثيرة، وذات آثارٍ سيّئة على شعور المرأة بقيمتها الإنسانية، وعلى إحساسها بالأمان والطمأنينة. وبالتالي فالمرأة المعنّفة تعاني من نفسية مُهشّمة ونقمةٍ على العالم، وشعورٍ بالدونية والذل. وكلّها مشاعر تحتاج إلى علاجٍ نفسي كي تتمكّن من تخطّيها.

وعادةً تلجأ المرأة المعنّفة إلى أسلوب الخنوع والاستسلام تجاه مصدر التعنيف، بينما تشغل نفسها في الأوقات الأخرى بأمور بيتية، أو محادثات اجتماعية، كنوعٍ من التفريغ لآلامها النفسية. وكما أشرنا فقد يكون أطفالها كبش المحرقة في خضّم تلك الآلام.

والعمل المنزلي، أو العمل خارج المنزل، والصداقات، وتبادل الأحاديث، هي من الأمور التي تساعد المرأة على الاستمرار. وفي الوقت الحاضر باتت المرأة قادرةٌ على اللجوء إلى الجمعيات التي تُعنى بهذا الشأن، لتحصل على الدعم اللازم، والتخلّص من حالة الخضوع لتلك الحياة القاسية. ولكن في كثيرٍ من الأحيان فإنّ وجود الأولاد قد يُثنيها عن طلب المساعدة، حيث تخاف أن تفقد أولادها، أو أن تُبعَد عنهم.
لكن، حالياً، انتشرت بكثرة الجمعيات المناهضة للعنف ضد المرأة، ومجموعات الدعم، وبالتالي صار من المستطاع للمرأة المُعنّفة الحصول على المساندة إذا قرّرت ذلك.

إنما حالة الاستسلام النفسي هي مشاعر تترافق بشكلٍ كبيرٍ مع وضعية التعرّض للعنف، حيث لا بدّ أن تمرّ المرأة بحالة الاستسلام للعنف في وقتٍ من الأوقات، حتى ولو ثارت لاحقاً، وتمرّدت، وطلبت المساعدة. ولكن في فترة معينة سوف تسود حالة من الرضوخ التام، وقبول التعنيف.

ونجد في أحيانٍ كثيرة نساءً يبقينَ على تلك الحالة طوال حياتهنّ، بمعنى أنهنّ لا يخرجنَ مطلقاً من وضعية الاستسلام النفسي، وقبول التعرّض للعنف بشكل دائم، حيث يرضين بذلك كأمر واقعٍ، وكجزءٍ من حياتهنّ، ولا يحاولن تغييره، بل ويتعايشنَ معه، وهي حالة نفسية موجودة بكثرة، وعلى الصعيد النفسي. وهذه الحالة الاستسلامية هي الحل الأسهل، بينما الثورة، والتمرّد والسعي للهرب والتغيير، فهي أمورٌ تحتاج إلى الكثير من الصلابة النفسية.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أنّ رؤية الولد للعنف تجاه والدته يولّد لديه آلاماً نفسية كبيرة، ومخاوف وجدانية على صعيد الحياة والناس في المستقبل. فالولد الذكر إمّا أن يتماهى بالرجل العنيف الذي يضرب المرأة، وإما أن يتّخذ الموقف المعاكس بحيث يصبح مُدافعاً عن النساء.

وبالنسبة للفتاة التي ترى أمها تتعرّض للعنف، فهذا المشهد سوف يولّد لديها خوفاً من الرجال بشكلٍ عام، وقد تصبح في المستقبل خاضعةً واستسلامية لأقصى حدّ، أو أنها تتخذ موقف العداء تجاه كل الرجال، بمعنى أنها تتماهى بسِمة الاسترجال بحيث تحمي نفسها من التعرّض للعنف.
ومهما كانت السلوكيات التي سيتبعها هؤلاء الأولاد في المستقبل فإنهم سيحملون معهم آلاماً نفسية لا يمكن محوها، وتبقى عالقةً في أذهانهم ونفوسهم جرّاء تلك المشاهد العنفيّة، خاصة تجاه الأم.

*اخصائية نفسية

 

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.