Advertise here

أدبيات الانتفاضيين

07 كانون الثاني 2020 12:40:17

منذ أيامها الأولى، حصدت الانتفاضة تأييد نسبةٍ عالية من أبناء المجتمع اللبناني من خلال المطالب المحقّة التي طرحها الانتفاضيون. أمّا، ومع توسّع تلك المطالب وتشتّتها، وعدم تناسقها، ثم شيطنتها من قِبل البعض أمام الرأي العام ما أبعدَ عنها عدداً من المؤيدين؛ إضافةً إلى أن شعار "كلن يعني كلن"، وفي دلالته الاستفزازية، وما حَمَلَه من أبلسةٍ مقنّعة، شكّل صدمةً للعديد من المؤيدين الذين، بالوقت عينه، ممن يحملون أفكاراً حزبية تتقارب وتتخاصب مع مطالب الانتفاضيين بشكل عام، إنْ لجهة وقف الهدر المالي، والحدّ من الفساد، أو لجهة استعادة أموال وحقوق الشعب، كما وفي علمنة النظام، إلى غيرها من المطالب التي تشكّل أهدافاً للعديد من الأحزاب اللبنانية، سواءً اليسارية منها أو اليمينية، بحيث لم تُقِم الانتفاضة وزناً لواقع تلك الأحزاب وتراثها النضالي، كما لم تحترم مَن اعتنق فكراً من أفكارها، ما حدا بهم - أي الأحزاب والحزبيين- إلى استبعاد أنفسهم عن مسار الانتفاضة، وعدم مشاركتهم لمطالبها.

ولا مشاحة من القول مِن أن الانتفاضة الشعبية هذه قد غيّرت من ملامح الثقافة السياسية على الساحة اللبنانية. كما أنها أيقظت أحقاداً دفينة كانت مترسّبةً، ولزمنٍ طويل، في قلوب العديد من المواطنين تجاه بعض السياسيّين، ما أسبغ عليها صفة الثقافة السلبية، والتي لم يعتد عليها أبناءالسياسيّين، والمجتمع اللبناني. وهذا ما حمّل الانتفاضة وزر مساوئ عديدة، منها زرع الاستكبار في عقول بعض الانتفاضيين، مصوّرةً إياهم وكأنهم مخلِّصوا هذا البلد من عناصر الفساد والإفساد.

والمشهد الذي تراءى أمام الأنظار، والذي يستوقف كل عاقلٍ، يؤكّد، وبموضوعية، انحلالاً في مستوى الأدب الاجتماعي الذي لطالما امتاز به المجتمع اللبناني، والذي ما تعوّد يوماً على هذه الظاهرة المستهجنة، كإقدام بعضهم على طرد رئيس حكومة أسبق، إلى طرد نائب سابق ومن أماكن عامة، كما ومضايقة نائب رئيس مجلس النواب، تحت ذريعة مشاركتهم بالفساد (علماً أنه لا أحكام قضائية لحدّ الآن تدين أياً من هؤلاء)، إلى شبه احتلال مساحات داخل المصارف، وإضرام حرائق في ممتلكاتها، كما واحتجاز حرية موظفي المصارف، ومروراً بالتوجّه بكلام البذاءة والاحتقار إلى آخرين ممن عملوا بالشأن العام... وهذا ما ينمّ عن انحدارٍ في معايير الآداب. فأين ثقافة الانتفاضة من مفهومها للحريات الشخصية، والحفاظ على الملكيات الخاصة؟؟

فالذين تولّوا يوماً إدارة حكومة، أي إدارة بلدٍ بأعظمية مرافقه (من إدارةٍ لشعبه، ولجيشه، ولسياسته، واقتصاده، إلخ...) فقد أتى هؤلاء بتوافق الأغلبية الساحقة من مكوّنات المجتمع اللبناني، بدءاً من رأس الهرم، أي رؤساء الجمهورية المتعاقبين إلى آخر مواطنٍ لبناني اختارهم، وبحكم القانون، ومن خلال نوّابه. وبمعنى آخر: إنّك أنت أيها المنتفِض قد ساهمتَ، سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بأن تولّي كل رئيسٍ من رؤساء الحكومات المتعاقبة إدارة بلادك. ومَثَله أيضاً ينطبق على كل نائبٍ حينما أتى بأصوات أغلبية الشعب اللبناني. وعلى ذلك ما يحتّم أن يكون لكل مقامٍ من هذه المقامات الرسمية منزلته واحترامه، مثله مثل مقام رئاسة الجمهورية. وفيما يتعدى ذلك فللقضاء، وبإجراءاته وآلياته المتّبعة، أن يحاسب هؤلاء ويقاضيهم حينما تعتورهم قضايا الفساد، والتي لا بدّ من تحديث وتطوير المنظومة القضائية، بقصد تحصينها في المقام الأول، وبالتالي حماية حقوق الشعب اللبناني في المقام الثاني.

وهذا ما يطرح علامة الاستفهام الكبرى بوجه الانتفاضيين، وتحت ستار، "الديمقراطية في التعبير عن الرأي" أن عمدوا إلى تنصيب أنفسهم مدافعين عن أحوال المجتمع، علماً أنهم لا يشكّلون سوى نسبة النصف منه وما دون ؟!. 

ولا بدّ من التوجّه للانتفاضيين بطلب توضيحٍ جريءٍ منهم حول مدى قدرتهم على ممارسة فعل الطرد، أو أقلّه محاولة فعل الطرد، لأحد سياسيّي الصفوف المتقدمة من مكانٍ عام أو خاص، وبالتالي مدى استعدادهم لتحمّل تبعاتها؟.

 

الآراء الواردة في هذه الصفحة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جريدة الأنباء التي لا تتحمل مسؤولية ما تتضمنه.