علاء... القضية، الحزب والكوفية

31 كانون الأول 2019 07:25:00 - آخر تحديث: 31 كانون الأول 2019 14:11:26

ليس من السهل على الاطلاق، ان أكتب عن رفيق عزيز ترافقنا سوياً مع رفاق كثر طيلة عشرين عاماً، في منظمة الشباب التقدمي ولاحقاً في صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي.

ليس من السهل على الإطلاق، ان أكتب عن رفيق شجاع ملتزم بالقضية التي آمن بها وناضل من أجلها حتى الرمق الأخير.. ليستشهد كثائر بوجه القهر والظلم والتسلط والاستغلال.

ليس من السهل على الاطلاق، ان أتذكر محطات جمعتنا خلال السنوات التي ترافقنا فيها.. محطات كثيرة، مرارتها كانت ممتعة وحلاوتها كانت استثناء.. واستمرينا ولم ولن نتوقف.

ليس من السهل على الاطلاق، أن أتذكر شعارنا الذي رفعناه في منظمة الشباب التقدمي: "لنكن جديرين بلقب شبيبة كمال جنبلاط".. انت من نلت هذا اللقب بكل جدارة، ونحن ما زلنا نسعى اليه.

التقينا في جامعة بيروت العربية، كنت شاباً نشيطاً ومندفعاً.. تقدمي النهج، عربي الهوى، ملتزماً قضية فلسطين التي أوصانا بها المعلم الشهيد.. فلازمتك كوفيتها في كل التظاهرات التي شاركنا بها، وما أكثرها.. بقيت على حبك والتزامك، فلم تفارقك الكوفية في ثورتك التي قدتها بوجه عبثية وفساد هذه السلطة وهذا العهد، بدءاً بمحطة 14 تشرين الاول (التظاهرة التي دعت اليها منظمة الشباب التقدمي قبل 3 أيام من انفجار الانتفاضة الشعبية) الى يوم استشهادك.

أذكر جيداً، تظاهرة "لا للحرب لا للديكتاتوريات"، في العام 2003 ضد الغزو الأميركي للعراق.. كانت تظاهرة كبيرة وحاشدة انطلقت من المتحف حتى ساحة رياض الصلح.. حاولنا اقتحام مجمع السفارات، اصطدمنا مع الدرك ومكافحة الشغب ثم مع عناصر الجيش اللبناني عندما اوشكنا على الدخول.. اذكر جيداً كيف حميتني من الضرب بأعقاب البنادق وتصديت لمجموعة من العناصر كادت أن تعتقلنا حينها.

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بأيام، وأثناء ندوة نظمناها في جامعة بيروت العربية، بمشاركة الشهيد وليد عيدو والرفيقين أكرم شهيب وزياد ماجد، حاول عناصر المخابرات السورية (كان لهم مركز كبير في طريق الجديدة بالقرب من الجامعة) وحلفاؤهم وعملاؤهم تطويق مكان الندوة وإيقافها.. انهينا الندوة، وفكّينا الحصار ... كنت انت في المقدمة.

تدرجت في مسؤولياتك الحزبية، من الكشاف التقدمي، الى مسؤول مكتب الجامعة العربية في منظمة الشباب، وصولاً الى انتخابك عضواً للأمانة العامة ومسؤولاً عن مكتب الطلاب فيها.. ولاحقاً استمريت في عملك العام، ناشطاً فاعلاً ومؤثراً في مدينتك التي أحببت.. فكنت ركناً اساسياً في مختلف أنشطتها المدنية والاجتماعية والبلدية.. فتركت بصمتك في كل عمل ومبادرة، فارضاً احترامك على الجميع.

وكانت كلما طلبتك قيادة الحزب لموقع مسؤولية، تترفع عن القبول لتزكّي اسم رفيق لك، متعهداً ان تكون الى جابنه في تحمل المسؤولية. وكما في كل محطات نضالك المشرّف، وعدت فوفيت.

لقاؤنا الاخير كان قبل ثلاثة ايام من استشهادك.. غالب، ايهاب، رأفت، رامي، ربيع، طارق، فادي.. التقينا في الساحة، تماماً كما اعتدنا ان نلتقي مع رفاقنا في منظمة الشاب طيلة عشرين عاماً.. إتفقنا ان نتابع نضالنا كلٌ من موقعه، في الحزب في الشارع وفي الخارج.. في تلك الليلة، كنت مرتاحاً لأجواء النقاشات الداخلية التي بدأت، وكنت قد انتهيت للتو من اجتماعنا مع الرئيس، ظافر، صالح وانا.. أكملنا سهرتنا من دونك عند ابو إيلي، انضم الينا بلال ومحمد.. وشربنا نخب النصر الذي سيأتي ولو بعد حين. شربنا نخبك، نخب رفاقنا ونخب حزبنا.

أذكر جيداً تلك الليلة، ولن أنساها ما حييت.. رأيت في عينيك مزيج غريب من الأمل والحزن.. أمل بالتغيير الآتي لا محالة وخوف من المستقبل المجهول.. ربما كنت ستعلم انك ستغادرنا قريباً، قبل ان تتمكن من تحقيق أهداف ثورتك.. لكنني لم أكن أتوقع للحظة أنه سيكون اللقاء الأخير، وأنك ستسقط شهيداً.

في اليوم التالي، أرسلتَ لغالب جملة اقتراحات ترى فيها بداية للإصلاح الداخلي لمواكبة المرحلة الحالية.. كنت صادقاً وشفافاً وجٍياً كعادتك.. لم نكن بعيدين عن الذي اقترحته، وحماسة الرئيس (التي عبر عنها في اكثر من موقف ومناسبة) لم تكن أقل من حماستنا.. رسالتك هذه نقلتها للرئيس بكل أمانة، بعد أربعة أيام على استشهادك.. ونحن لا زلنا نعمل على تطبيقها خطوة تلو الاخرى.

حتى الآن، لا أريد ان أصدق أنك رحلت، ليس اعتراضاً على القدر الذي نؤمن به، أو خوفاُ من مواجهة الموت، ونحن الذين لا نخافه أبداً.. ولكن رغبة في استكمال ما كنّا قد بدأناه سوياً، وكنا نرى فيه مستقبلنا الذي طالما حلمنا به.

رفيقي علاء.. لقد تركت أثراً في قلب كل شاب، كل ثائر، كل مواطن شريف.. صورك التي اخترقت كل المناطق و كسرت كل الحواجز، دليل على وحدة اللبنانيين التي عملنا لأجلها سنوات طوال. رفاقك في الحزب احترموا موقعك الوطني في ثورة 17 تشرين، فكنت شهيد الثورة الوطنية اللبنانية وشهيد الحزب التقدمي الاشتراكي في نفس الوقت.. وكانت الخسارة قاسية على الاثنين معاً.

عهدنا المشترك الذي قطعناه منذ أن التزمنا في صفوف المنظمة والحزب، هو نفسه لن يتغير.. عهدنا أن نبقى على المبادئ وأن نُكمل المسيرة حتى النهاية.. وعائلتك الكبيرة تقول لعائلتك الصغيرة: دماؤك يا علاء دين علينا، لن نقبل بأقل من محاسبة الفاعل والمُسبب.. ولو بعد حين.

(*) عضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الإشتراكي