Advertise here

معركة إدلب المؤجّلة... منازلة روسية تركية ومأساة إنسانية

31 كانون الأول 2019 13:00:00 - آخر تحديث: 31 كانون الأول 2019 17:17:36

تتواصل غارات النظام السوري وروسيا على مناطق سكنية تقع داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب. وتستمر معارك الكرّ والفرّ بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام المدعومة بالميليشيات الإيرانية، والطيران الحربي الروسي، والتي أدّت الى تهجير أكثر من 235 ألف شخص من منازلهم.
وكانت حركة النزوح الأكثر من مدينة معرة النعمان، ثاني أكبر مدن المحافظة، ومحيطها، ما جعلها شبه خالية.

وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب التي تؤوي ومحيطها نحو ثلاثة ملايين شخص، نصفهم نازحون من مناطق سورية مختلفة، وتنشط فيها أيضاً فصائل إسلامية ومعارضة أقل نفوذاً.

المرصد السوري لحقوق الإنسان أشار إلى أن الاشتباكات العنيفة تركزت في شرق معرة النعمان، بالتزامن مع القصف المدفعي الذي يستهدف القرى والبلدات والمدينة ومحيطها شمال خان شيخون، وهي الواقعة على الطريق الاستراتيجي الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق، والذي سيطرت عليه قوات النظام خلال هجوم استمر أربعة أشهر وانتهى بهدنة في نهاية آب، إضافةً إلى مناطق واسعة في ريف المحافظة الجنوبي، وأبرزها بلدة خان شيخون. وأشار المرصد إلى أن قوات النظام حققت تقدماً خلال الأيام الماضية بسيطرتها على بعض القرى في الريف الجنوبي لإدلب، كما حاصرت نقطة مراقبة تركية شرق معرة النعمان.
ولفت المرصد إلى أن بعض النازحين ممن فرّوا إلى منطقة سراقب شمالاً اضطروا إلى النزوح مرة أخرى تفادياً للتصعيد الذي قد يطالها أيضاً. وأضاف أن طائرات مقاتلة تابعة للنظام قصفت مدينتَي معرة النعمان وأريحا، ومختلف القرى في إدلب، مثل معرشورين، وتلمنس، وغيرهما، فيما واصلت المقاتلات الروسية قصف الطرق التي يستخدمها النازحون للتوجّه نحو المناطق القريبة من الحدود التركية.

مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة تحدّث عن موجات نزوح ضخمة رصدها خلال الأيام الماضية، إذ اكتظت الطرقات المؤدية إلى شمال المحافظة بشاحناتٍ وسيارات محمّلة بالنازحين وحاجياتهم المنزلية. ويتوجّه الفارّون بشكل أساسي إلى مدن أبعد شمالاً مثل إدلب، وأريحا، وسراقب، أو إلى مخيمات النازحين المكتظة بمحاذاة الحدود مع تركيا، ومنهم من يذهب إلى مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة شمال حلب.

وفيما دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في وقت سابق، النظام السوري وحليفتيه روسيا وإيران إلى وقف المجزرة بحق المدنيين في إدلب، اتهمت فرنسا "دمشق وحليفتيها بمفاقمة الأزمة الإنسانية، وطالبتهما بوقف أعمال التصعيد".

وتوقعت مصادر في المعارضة السورية، في اتصال مع "الأنباء" أن "تتصاعد أعمال العنف بوتيرة أقوى، وأن يتضاعف القصف المدفعي والجوي في الأيام المقبلة، وذلك بعد فشل المفاوضات الروسية - التركية في التوصّل إلى اتفاق هدنة، وحيث من المرجح أن تستأنف ميليشيات النظام حملة القصف الوحشي، وأن تعود المعارك بشكل أعنف". وقد ألمح قادة من فصائل المعارضة السورية إلى اقتراب موعد المواجهات على جبهات إدلب، متوعدين أنها، "ستشهد تغييراً على أكثر من صعيد".

وكشفت المصادر أن "الفصائل المسلّحة حصلت من تركيا على دعمٍ عسكري نوعي، وبشكل خاص صواريخ مضادة للدروع، وهو السلاح الأهم الذي يمكن للمعارضة الاعتماد عليه لتحقيق توازنٍ نسبي في النيران مع النظام وميليشياته". وحصلت أيضاً على صواريخ غراد متوسطة وبعيدة المدى، وكمياتٍ لا بأس بها من الذخائر المتنوعة، استُخدم جزءٌ منها في قصف مواقع النظام وحلفائه في سهل الغاب وجنوبي إدلب، وامتد قصف الفصائل إلى القرداحة في ريف اللاذقية".
المتحدث العسكري باسم الجيش الوطني السوري المقرّب من تركيا، الرائد يوسف الحمود، أشار في تصريحٍ صحفي إلى أن "الهجمة الشرسة، وسياسة الأرض المحروقة للروس والنظام، وبدعمٍ من الميليشيات الإيرانية، تضع الفصائل الثورية، وكل القوى العسكرية والثورية الموجودة في المنطقة، في المواجهة العسكرية ووحدة القرار". وأضاف: "بناءً عليه سعينا منذ البداية كفيالق الجيش الوطني المنتشرة في الشمال إلى إرسال مؤازرات إلى غرفة عمليات الجبهة الوطنية للتحرير".

وفي السياق عينه، وتحضيراً للهجمات المعاكسة، والجولة الجديدة من المعارك، وصل "الحزب الإسلامي التركستاني" إلى جبهة المعرة، ومعه تنظيمات وتشكيلات جهادية أخرى كانت ممتنعة عن المشاركة. ومن المفترض أن نشهد مشاركةً كاملة في القتال إلى جانب أكبر تشكيلين مسلّحَين في إدلب "هيئة تحرير الشام" و"فيلق الشام"، وكلاهما لديه غالبية الأعداد والعتاد الحربي الذي يكفل قلبَ موازين المعركة إلى جانب المقاتلين النوعيين من التنظيمات والفصائل الإسلامية الأخرى، حيث يمتلك "التركستاني" أيضاً صواريخ متطورة مضادة للدروع.

معركة إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة، قد تشكّل نقطة تحولٍ في مسار الأزمة السورية، التي دخلت الأسبوع الفائت مرحلةً جديدة من المواجهة، وذلك بفعل التصعيد الأميركي ضد إيران وحلفائها في سوريا والعراق، فمعركة إدلب التي تحدّد مصير اتفاق آستانة، قد تشكّل منازلةً غير مباشرة بين تركيا من جهة وروسيا من جهة أخرى، وهي سوف تُحدَّد على أساسها طبيعة العلاقة بين الدولتين وذلك بعد فشل المفاوضات الأخيرة بينهما حول مستقبل إدلب، وعلى خلفية الصدام المسلّح بين الطرفين في ليبيا والذي احتدم بين الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمدعوم من المرتزقة الروس وسلاح الجو الإماراتي، وبين مقاتلي حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السرّاج المدعوم من تركيا.