Advertise here

كبح جماح إيران أولوية ترامب في سوريا والمنطقة

16 كانون الثاني 2019 09:30:00 - آخر تحديث: 16 كانون الثاني 2019 11:56:56

أنهى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جولته في المنطقة والتي بدأها من القاهرة واختتمها في الرياض، وأعلن خلالها عدداً من المواقف حددت معالم الموقف الأميركي من التطورات، لا سيما كلامه في القاهرة، الذي يمكن وضعه في خانة المراجعة الشاملة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط من أيام الرئيس السابق باراك أوباما حتى اليوم، والتي أعاد فيها ضبط المسار. مواقف بومبيو التي تزامنت مع زيارة مسؤول الأمن القومي جون بولتون لأكثر من دولة في المنطقة، لا سيما تركيا وإسرائيل، تعني أيضاً أن السياسة الأميركية الدبلوماسية وكذلك الأمنية الشاملة محط مراجعة وتصويب، لا سيما السياسة الأمنية العليا في منطقة الشرق الأوسط (أي سياسات الأمن القومي الأميركي)، وهذا يؤكد النظرية التي تقول "إن المؤسسة الأميركية العميقة تستطيع تصويب مسار عملها وإعادة ضبطه مع مراعاة العوامل التي تؤدي إلى الاختلال في التوازنات الداخلية الأميركية أو في التوازنات الخارجية".

إن المسارات التي تخدم الاستراتيجيات الراسخة والثابتة، لن تتأثر طويلاً بالخلل التكتيكي، على غرار ما حصل جراء القرار المتسرع للرئيس دونالد ترامب، الذي أهدى انسحاب قواته من سوريا إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين قال له في اتصاله الهاتفي: "هي لك"، من دون أن يدرك أن هذا القرار لا ينسجم مع الأهداف الاستراتيجية العميقة للمؤسسة الأميركية.

وبهذا المعنى يتضح أن التعامل مع السياسات الأميركية في المنطقة على اعتبارها ذات وجهين، وجه ثابت عميق وراسخ، مرتبط بالاستراتيجيات المتوسطة والبعيدة، ووجه متحرك قابل للمراجعة والتصحيح في كل لحظة من اللحظات وقابل للتراجع، وهذا الأمر تكرر في مسارات السياسة الأميركية أكثر من مرة، وكانت في بعض الأحيان أخطاء استراتيجية قاتلة، يدفع الآخرون ثمنها، فيما تصحح الإدارة الأميركية سياساتها بما يضبط وينضبط مع مصالحها أولاً وقبل كل شيء. ومجرد مراجعة سريعة لطريقة التعامل الأميركي مع الثورة السورية يبين ذلك.

عندما رفع الرئيس باراك أوباما أولوية إسقاط (داعش)، تراجع وهج المعارضة السورية المعتدلة التي تمسكت بشعار إسقاط النظام، وتضاربت أولوياتها مع الأولويات الأميركية والتي دفع ثمنها الشعب السوري الكثير من الدماء. ووفق الأولوية الأميركية، جرى استدراج عروض إيرانية وروسية، وتوظيفها خدمةً لتحقيق هذه الأولوية، في سوريا والعراق وأفغانستان.
اليوم نحن أمام عملية توظيفية أميركية جديدة تشبه في الشكل العملية السابقة وبمضمون مختلف، فالأولويات الراهنة للإدارة الأميركية، إضافة إلى متابعة الموقف اليومي التصاعدي من الاتفاق النووي بهدف تعديله، تتقدم أولوية ضبط السلوك الإيراني في المنطقة على غيرها من الأولويات، سيما وأنها تتلازم وتنسجم مع الموقف التصعيدي من الملف النووي. وهذا لا يعني فتح معركة عسكرية مع إيران، لكن التهديد بالقوة هو إحدى الوسائل التي تستعمل في هذه المعركة. وفي ما يخص سوريا تحديداً، فإن تصريحات بومبيو وبولتون، أعادت أولوية إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا إلى المقدمة.

وفي هذا السياق، رأت مصادر دبلوماسية عربية أن زيارة بومبيو وبولتون وهيل إلى المنطقة تتزامن مع انتهاء نصف الفترة الزمنية المعلنة لفترة السماح الأميركية تجاه بعض العقوبات الأميركية على إيران، والتي حددها الرئيس ترامب بستة أشهر، وهذه الفترة (الثلاثة أشهر) انطوت معها صفحة المفاوضات السرية الأميركية – الإيرانية لإنتاج تفاهمات ممكنة، والتي لم تسفر ولم تنتج أي شيء جديد يدفع واشنطن إلى التعامل بمرونة مع إيران تجاه مسألة العقوبات في الفترة المتبقية من الثلاثة أشهر المقبلة.

وقالت المصادر لـ"الأنباء" الواضح من خلال ما تقدم، أن السلوك الإيراني ما زال متشدداً في سوريا ويريد المزيد، وما زال متشدداً في لبنان ويريد المزيد، وما زال متشدداً في العراق ويريد المزيد، وعلى الرغم من تقديم بعض من المرونة في اليمن خلال الاتفاق على الحديدة مسايرة للأوروبيين، يحاول الإيرانيون اليوم الالتفاف على هذا الاتفاق، ما يدل على أن القنوات السرية لم تعد مجدية، وتعني أن سياسة التشدد الإيراني أفشلت وسوف تفشل أي مفاوضات سرية في القنوات المعتمدة إن في سويسرا أو في عُمان أو في قطر، ويتبين من ذلك أننا أصبحنا أمام مسار جديد في إدارة العقوبات الأميركية خلال الأشهر المقبلة والتي ستكون أكثر تشدداً".

وكشفت المصادر أن ما يطرح اليوم على الطاولة "ينطلق من تقييم نتائج الثلاثة أشهر الأولى التي أدت إلى مزيد من التشدد الإيراني، وتقييم الحالة الداخلية في إيران التي لا يُعتمد عليها لإنتاج تعديل وتحوّل في سياسة نظام الملالي، لذلك فإن ما كشفه موقع (فوكس نيوز) الأميركي، عن تحول مسار الأساطيل والقوى العسكرية والطائرات والصواريخ المضادة التي تحركت من كل أنحاء المحيطات لتدخل من جديد ساحة الشرق الأوسط بزخم، وما رافق ذلك من نشر منظومات صاروخية مضادة للصواريخ في مناطق متعددة من دول الخليج العربي في الكويت والبحرين والسعودية، وما شهدناه من تصعيد عسكري إسرائيلي في مواجهة "حزب الله" وإرسال قوة النخبة للتمركز في الجولان، وإعادة تمركز قوات "حزب الله" في لبنان، تؤكد أن الفترة المقبلة هي مرحلة ضغط وتصعيد أمني وعسكري في وجه إيران".

وأوضحت المصادر قائلة: "نحن إزاء فترة اختبار عسكري وأمني استراتيجي مع إيران، فمرحلة الاختبار السياسي والدبلوماسي انتهت، وبدأت مرحلة تحديد المواقف التي تريدها واشنطن من إيران تحت سيف الحرب، وليس إعلان الحرب، وهذه السياسة اعتمدتها واشنطن مع العراق أكثر من مرة، ومورست بوجه عدد من الدول الأخرى، وبالتالي فإن المشهد الحالي يتناقض مع وجهة نظر بعض القوى التي اعتبرت أن الولايات المتحدة الأميركية انسحبت من المنطقة إلى بحر الصين وشرق آسيا، على خلفية الصراع مع الصين وكوريا الشمالية. فالمشهد الآن في اتجاه معاكس تماماً، إثر نجاح الإدارة الأميركية في إنتاج تفاهمات مع الصين وكوريا الشمالية تسمح للولايات المتحدة الأميركية بسحب أساطيلها وقواها الاستراتيجية من تلك المناطق إلى الشرق الأوسط، وبالتالي علينا النظر إلى المرحلة المقبلة على أنها مرحلة الضغط السياسي تحت سيف الحرب".

وعما أشار إليه بومبيو من إنشاء حلف عسكري عربي – غربي ضد إيران، قالت المصادر: "القضية تسير في اتجاه واضح ومحدد، وقد تبرز مؤشرات جدية تجاه هذا الأمر في القريب العاجل". ورأت المصادر أن ملخص ما أنتجته زيارة بومبيو إلى المنطقة يتمحور حول الآتي: "محاصرة إيران ووقف تمددها في المنطقة، إعادة قراءة مسرح الأزمة السورية على قاعدة الأولويات المطروحة، مثل إعادة هيكلة الدولة السورية وانسحاب إيران ومقاتليها منها، طرح مسارات عمل اللجنة الدستورية وإعادة تشكيل النظام السوري على قاعدة القرارات الدولية".
ما لا شك فيه أن جولة بومبيو وضعت المنطقة بأكملها أمام منعطف جديد، لا سيما المسعى الأميركي الجديد في رسم صياغة شاملة لهذه المنطقة ووضعها تحت سقف الهيمنة الأميركية الحديثة التي يمكن أن تعتمد بأساليبها على تشغيل دولة مثل روسيا في إنتاج تلك الهيمنة الجديدة. لذا فإننا لن نشهد ربيع 2019 مماثلاً بهدوئه لربيع 2018، وبالتالي لا بد من الحذر الشديد من السياسات المعلنة، فالوقائع قد تصدم المتسرعين في قراءة الأحداث والتحولات.