Advertise here

البلف في رئاسة الحكومة لا يخفي المخاطر المتوقعة

23 كانون الأول 2019 10:38:00 - آخر تحديث: 06 أيلول 2020 21:07:16

في انتظار انقشاع غبار الحديث المفتعل عن صفقة ما أدت إلى تكليف الوزير السابق حسان دياب بتأليف الحكومة الجديدة، تارة بين الأميركيين وبين "التيار الوطني الحر"، وأخرى بين واشنطن وطهران مقابل خدمة قد تقدمها الأخيرة للأولى بالإفراج عن الموقوف عامر الفاخوري، فإن الملابسات المحيطة بتسمية دياب لن تنزع عنه الصفة التي ألبسه إياها الإعلام الغربي بأن "حزب الله" كان وراء تسميته.

يهدف الحديث عن صفقة أنتجت تكليفه الى تجنيب الرئيس دياب تهمة التبعية لجهات يستهدفها الحراك الشعبي من جهة، والتعمية على خوض هذه الجهات مغامرة إخضاع المنصب السني الأرفع في الدولة لمعادلة طائفية مختلة لمصلحة تحالف شيعي مسيحي.

قد يصعب على قطاعات واسعة من الرأي العام أن تتبين كيف تساهم صلات أناس هم في الظل، مع شخصيات تعمل في الشأن العام، في ترقيهم وصعودهم وظهورهم المفاجئ. يجري الحديث هنا عن مساهمة ضابط سابق في المنظومة الأمنية السياسية التي تولت دوراً بين أواخر التسعينات ومطلع الألفية الثالثة، في تقديم دياب بصفته أكاديمياً يحتاج الى سند سياسي كي يتبوأ المنصب. لكن الفريق السياسي الذي هو سند دياب أكبر حجماً وتأثيراً وضجيجاً... من أن يختبئ وراء "أكاديمية" الرئيس المكلف. فتسمية رئيس للحكومة في لبنان في هذه الظروف الحساسة ليست عملية أمنية - مخابراتية، تتم تغطيتها بدعايات إعلامية، بدائية، بل هي عملية سياسية فائقة التعقيد أمام الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في البلد.

فضلاً عن التعقيدات الإقليمية التي تحيط بموقع الرئاسة الثالثة في خضم الصراع السياسي الذي يتلاطم لبنان، بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، فإن الحاجة إلى معالجات اقتصادية ومالية عاجلة، وأخرى متوسطة المدى وثالثة بعيدة المدى لخفض الخسائر التي نجمت وستنجم عن انحدار الوضع الاقتصادي، تتطلب أفكاراً خلاقة وخططاً براغماتية وصلات مع الخارج الذي من دون مساعدته يستحيل على لبنان الخروج من الحفرة التي هو فيها، بإمكاناته الذاتية.

حتى إشعار آخر لا يبدو أن لدى دياب قدرة على التواصل مع الخارج من النوع الذي يحتاجه لبنان، ولا سيما من النوع الذي يتميز به رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري. وبصرف النظر عن ذلك فإن أياً من عرابي تركيبة الحكومة العتيدة، سواء جرى تأليفها بالسرعة القصوى التي يروج لها بعضهم أم لا، فإن المداولات التي سبقت الأزمة الحكومية برهنت على أن من يقترحون الحلول تقتصر اقتراحاتهم على أفكار رنانة نظرية لا تمت بصلة إلى ما ينتظر اللبنانيين من تدهور اقتصادي ومالي في حال لم تتم المباشرة بحلول عملية وتنفيذية للمأزق.

يقول أحد الخبراء الاقتصاديين الذين اشتغلوا على الحلول العملية المفترضة، إن لبنان يحتاج إلى إدخال زهاء 3 مليارات دولار أميركي في شكل عاجل إلى البلد من أجل ضمان السيولة بالعملة الأجنبية، إما على شكل ودائع في المصرف المركزي، أو على شكل اكتتاب بسندات خزينة. ويقول خبير مالي ونقدي إن على لبنان استحقاقات مالية للعام 2020 تناهز الـ 10 مليارات دولار هي قيمة ديون وخدمتها عليه تسديدها، فضلاً عن أن جزءاً من هذه الأموال يجب أن يرصد لتأمين خدمات رئيسة مثل الكهرباء. وإذا استرسل الخبراء في تعداد ما سيواجه لبنان من مشاكل يقولون إنه سيواجه في غضون 3 إلى 6 أشهر خطر إقفال مؤسسات ومصانع ومتاجر، بحيث يصبح زهاء 200 إلى 300 ألف عامل وموظف عاطلين عن العمل، في حال لم يتم ضخ أموال استثمارية في البلد، تحول دون تطورات كارثية من هذا النوع...

الواضح أن استباق أوضاع من هذا النوع بتدابير عملية لا يتم باعتماد التشاطر واتباع أسلوب "البلف" في التعاطي مع دور رئاسة الحكومة ومن يتولاها.