Advertise here

الوطن والميثاقية... وخطر السقوط

21 كانون الأول 2019 19:40:48

ثمّة من قرر في غرفة سوداء إنهاء ثورة 17 تشرين، فأنزل شارعاً مقابل شارع، من بعبدا إلى الشياح و عين الرمانة إلى جسر الرينغ وبرج الغزال، ليذّكروا الناس بالحرب الأهلية، أفشلتهم قلوب الأمهات وعقول الوطنيين من الشيب والشباب؛ فلجأت الغرف السوداء عينها الى أبو عدس ثانٍ  ودبلجوا تسجيلاً مستفزاً محرّضاً موجّها بشكلٍ واضح بالتوقيت والمضمون، لإثارة الفتنة التي تعهّدها أزلام مَن أفتى بها، فأغرقوا شارع الإنتفاضة الشعبية السلمية بالتخريب، وحوّلوا شوارع بيروت على مرأى ومسمع من القوى الأمنية.

وكان هذا الهجوم المعاكس بهدف الانقضاض على ثورة 17 تشرين عبر حرفها عن أهدافها السامية الوطنية والمطلبية؛ وتحويلها إلى حركة طائفية مذهبية تتلاشى امام بدع المخابرات والجدران التي ارتفعت لتشكل خط تماس جديد مفتعل بين أبناء الوطن الواحد.

وبفعل هذا الواقع وإستكمالاً له أجريت الإستشارات النيابية في ظل اعتذار الرئيس سعد الحريري عن التكليف وعدم تسميته لمرشح آخر، وفي ظل الكباش  الداخلي والإقليمي والدولي المتأزم والضاغط والمهدد بالإنفجار، وبتجاهل كامل لنص الفقرة «ي» من مقدمة الدستور اللبناني والتى تنص على أنه « لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، اوصل الفريق الواحد الوزير السابق حسان دياب لتأليف الحكومة.

أسقطوا الميثاقية، وهم أنفسهم من أقام الدنيا ولم يقعدها عندما وردت إليهم أسماء الناجحين في مباراة مجلس الخدمة المدنية؛ حيث إكتشفوا ان عدد الناجحين لا يتوفر معهم مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين رغم أن الوظائف التي تقدموا إليها من الفئتين الثالثة والرابعة، واستدعى الأمر من رئيس الجمهورية توجيه رسالة إلى المجلس يطلب من خلالها تفسير المادة 95 من الدستور.

نعم في الحالة التى شرحناها، الميثاقية مقدسة رغم أنها مخالفة للدستور ، أما في حالة الرئيس المكلف فالميثاقية متوفرة بتوفر ستة أصوات من الطائفة السنية قرارهم السياسي في مكان آخر.

إن هذا المفهوم الجديد للميثاقية يدق ناقوس الخطر في العلاقة بين مكونات النسيج الوطني اللبناني، ذلك لأنه لا يمكن اعتبار الميثاقية متوفرة إذا كانت تخدم  مصلحة السلطة الحاكمة، وغير متوفرة إذا ما تناقضت معها، فهذا يجعل الميثاقية حالة من حالات القهر السياسي الذي تمارسه السلطة الحاكمة وحلفاءها تجاه أي مكون وطني يرفض سياسة الحكم ويمارس حقه الدستوري بمقاطعته تعبيراً عن الجور الذي لحق به.

 إن ميثاقية العيش المشترك المرسخة وفق اتفاق الطائف لا يمكن الإنقلاب عليها بإصطناع ميثاقية مفصلة على قياس العهد وحلفائه، ما يعيد البلاد إلى أكثر من ثلاثين عاماً للوراء ويدخلها في متاهات مدمرة الجميع بغنى عنها.

في الوقت نفسه يحمل الرئيس سعد الحريري جزءاً من المسؤولية، وذلك لناحية عدم رسمه خطاً سياسياً جديداً يتوافق وإرادة الجماهير ويحمي انتفاضتهم من الوقوع في فخ الاصطفافات.

وحده رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أخذ الخيار الذي يعبّر عن رفض الأساليب الخارجة عن نطاق الدستور في عملية التكليف واشتراط شكل التأليف مسبقاً.
صحيح أن الدكتور نواف سلام لم يكن ليتمكن من بلوغ مرحلة التكليف، لكن تسميته كانت الحد الأدنى من تبني جماهير الانتفاضة.

لقد قرأ وليد جنبلاط واللقاء الديمقراطي الوضع السياسي العام قراءة تستند إلى مطالب الجماهير المنتفضة في الشوارع والساحات، وسموا في الاستشارات النيابية على هذا الأساس وبما يتوافق مع المرحلة السياسية والاقتصادية الذي يمر بها البلد، فتميّزوا بقرارهم واضعين منهجًا سياسيًا جديدًا.

وإلى ان يتم تحقيق مطلب الدولة المدنية العلمانية التي تسود فيها مبادئ العدالة الاجتماعية، تبقى الميثاقية حداً لا يمكن تجاوزه لأنها تشكّل الضمانة للعيش المشترك بين الطوائف جمعاء. ومن يسقط الميثاقية اليوم كمن يحضّر لإسقاط الوطن.