Advertise here

ليلة بيروت

20 كانون الأول 2019 12:54:41

ليلة عاصفة أمضاها أهالي لبنان، في الوسط التجاري، هي ليلة بيروت. ليلة 14/15 من كانون الأول الأصم، العام 2019.   

تلك الليلة البيضاء التي أحدثكم عنها. توأم الليلة البيضاء، من كانون الثاني الأصم، التي حدثنا عنها ميخائيل نعيمة، من عرزاله، من بسكنتا، ناسك لبنان، ناسك الشخروب. جاؤوا إليه من كل المناطق. أحيوا فيه ميلادا قبل الميلاد وولادة بعد الولادة. ميلاد الثورة المخلصة، وولادة الشعب العفوي الجديد والعنيد.

سهرنا على الشاشات نتابع المشاهد الحية. نشهد على المشاهدات والمطاردات بالكاميرات واللقطات. نرى بأم العين، كيف يصنع لبنان "الجديد". لم تعد السواعد اللبنانية، لرفع "الشيلة" الثقيلة في ساحات القرية القديمة، بل لرفع "الشيلة" الثقيلة في الساحات الجديدة العنيدة: البرج والشهداء ورياض الصلح وسمير قصير والصيفي والخندق الغميق والرينغ ودار البلدية والباشورة وشارل حلو.
 
شهدنا لساعات، طوال ليل الساحات، تباري سواعد اللبنانيين، في رفع "الشيلة" الثقيلة، من أمام الكواسر والجوارح، التي تتربص بهم في عواصم الحديد والنار والدمار، خلف كل البحار. تبارى اللبنانيون كلهم، في رفع "القيمة". في رفع "الشيلة". في رفع المحدلة.

نزل اللبنانيون بكل عريهم. بكل مسوحهم. بكل وضوئهم. بكل وضوحهم. يصرخون من الذل والجوع والوجع. لا طاقة لهم بعد، على تحمل مثلث اللعنات هذه، في عصر التخلي عن الرحمات. تلك التي أصابتهم بعد حين من الدهر، على أيد مجبولة بالطمع والحقد والغدر.

ملأوا الساحات بأقدامهم. وملأوا الفضاوات بصرخاتهم. وجاء الفنانون والعازفون، يرسمون جدارياتهم، وينقشونها "كرافيتي".. "كرافيتي" محفورة بأجسادهم المحتشدة...ويرسلونها، معلقات معلقات...في النفير،خلف الأثير الأخير.

 لا وقت بعد لترف أصحاب الأنياب الحادة، و الأسنان القاطعة والأضراس الذهبية. لا وقت بعد اليوم، لأفواه الحيتان المالية. لا وقت بعد اليوم لأصحاب المصانع والمدافع النارية.  لا وقت بعد اليوم، لأصحاب الخطط الجهنمية، ولا لأصحاب الحصص، ولا لأصحاب البذلات العسكرية  والدينية والمدنية. لا وقت بعد، لأصحاب الياقات والأناقات، والخطابات والشطارات والحيل والخزعبلات. ولا لأصحاب الطائرات النافسات الفاحشات، والمسيرات. المحشوة بالنار وبالبارود، في إعلاء الجدران ورسم الحدود.

 أنا الشعب. أنا الشعب. لا أعرف المستحيل. صوت مدو يخرج من القمقم اليوم في "ليلة بيروت". يصم الآذان. يدوس بأقدام أطفاله المعاهدات والتفاهمات والكتابات والبراءات والمؤامرات. ويبصق في الوجوه الصفر والسود. يزيح عن صدره هذة الصخور الصماء البليدة. يزيح عن صدره صخرة سيزيف، يحاول كما من أول دهره. كما أبيه وجده. وينطلق كالريح في آفاق العالم، مبشرا بقدوم فجر لبنان الجديد. يصوغه شعب العري والوجع والجوع، بعينين من حديد. ويمحو ليله. تشرق عليه الشمس من جديد. وتضيء سما بيروت