لا شك بأن الطبقة السياسة في لبنان عجزت عن تحقيق وتلبية طموحات الشعب، وعمّا كان يحلم به من غدٍ مشرق وفجر جديد، ضاربة عرض الحائط حقوقه المشروعة، غير آبهة نتيجة استئثارها، بأنه سيأتي يوم يكون فيه الصراع على اشدّه بين كل مكونات الشعب وبين السلطة السياسية، بسبب سلوكها، وعدم حسن أدائها، وبسبب عدم الالتفات الى الحد الادنى من مقومات الشعب الحياتية والمعيشية، وتأمين لقمة عيشه، مذكرين بأن هذه السلطة تاريخياً، وحتى اللحظة وقفت عقبة كأداء امام ما يبتغيه ويصبو اليه الناس.
من هنا، ليس عجيباً ان ينتفض الشعب بوجه طغمة تسلّقت الى الحكم عبر قانون انتخابي مشوّه اشبه بقوانين الرجل المريض، (وأي قانون!). إنه قانون اسود ما زلنا نعاني آثاره حتى اللحظة، راحت تمعن من خلاله في جَلد الشعب، ونهب ثرواته، وخيراته، وموارده، ناظرة من أبراجها العاجية من علُّ دون ان يرف لها جفن.
وحتى تاريخه هذه السلطة ستقاتل دفاعاً عن امتيازاتها حتى الرمق الأخير. سلطة عبثت بالوطن منذ ما يزيد على ثلاثين سنة ونيّف، على جميع الأصعدة والمستويات، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً..
فعلى المستوى السياسي، لا زالت متمسكة بقانون انتخابي عفن وأعرج، لم يلبِ طموحات الشعب وتطلعاته نحو غد أفضل، لا بل غلّب المنطق الطائفي على المنطق الوطني، وأحدث هوة كبيرة بين أبناء الشعب الواحد، أي أنه أحدث طلاقاً بين مكونات الشعب، (وأي طلاق!) إنه طلاق غير مستحب في بلد طارت به الكتب، فكانت سر بقائه واستمراريته.
أما اقتصادياً، فحدِّث ولا حرج، حيث الهدر في جميع مؤسسات الدولة، قائم على قدم وساق، زد على ذلك، هذا الاقتصاد الريعي الذي لا فائدة، ولا رجاء، ولا أمل منه، علماً ان هذه السلطة لم تعتمد الانتاج القومي سلاحاً، اي صناعياً وزراعياً.. بل اعتمدت اسلوب التسوّل من هنا وهناك، فضلاً عن استجرار الودائع، التي ما ان تأتي سرعان ما تُرد الى اصحابها بفوائد لا يقبلها عقل ولا منطق.
لن استرسل في هذا الموضوع، باعتبار انه يتطلب صفحات وصفحات. فصحيح ان المجتمع الدولي لن يدع لبنان يسقط، ولكن في نفس الوقت لا يمكن مساعدته بشكله الحالي. وجّلّ ما تطلبه الدول المانحة، تأليف حكومة تقنية، مستقلة، نزيهة، اضافة الى الاعتراف بحركة (17 تشرين اول) بالترافق مع الابتعاد عن حالات الرشوة والهدر، والواسطة، واستعادة الاموال المنهوبة.
في ما عدا ذلك، سيبقى المجتمع الدولي يغمز من قناة هذه السلطة، ناظراً شزراً اليها، واضعاً شروطاً منها: اصلاحات في الميزانية، مع خلق تضامن اجتماعي، والحفاظ على هذا النظام الليبرالي، على اساس الانتاج..
كل هذا، ادى الى ازمات اجتماعية حادة، قطعت طريق التغيير وأدت الى هذا التفاوت بين الطبقات، والطوائف، والمناطق، كانت من المعضلات الرئيسية لهذا النظام كمال قال، المعلم كمال جنبلاط.
كفى تلطي هذه الوجوه الكالحة وراء الحرص على هذه الصيغة العفنة، غير الصالحة لمطلع هذا القرن، هنالك شعب قرر استعادة كرامته، واستعادة الوطن.
ولو لم يكن كذلك، لما استطاع ان يصمد بوجه نظام تآمر على لقمة عيشه ومستقبله طوال ثلاثين سنة ونيّف.