Advertise here

حكومة التصريف ومقلب التكليف

16 كانون الأول 2019 22:08:00 - آخر تحديث: 20 تموز 2020 16:39:02

حكومة تصريف الأعمال هي التي ستبقى إلى ما قدّر اللّه ،إلّا إذا قدّر اللّه أمراً آخر. لكن هناك  نذيراً أبلَغنا ما يرغب به لصالحنا، وأهدانا للبعد عن الشيطان الأكبر الذي لا يأتينا منه إلّا الخراب والدمار، فهو المسؤول عن انهيار اقتصادنا، وعن الفساد في مؤسّساتنا، وهو مَن مارس سياسة الاستئثار بكل مقوّمات البلد، وأجرى الصفقات المشبوهة، وهو من سلّم أعوانه وأزلامه زمامَ الأمور، وجعلهم أولياء أمورنا، وفرضَ الضرائب، وأفقر  الناس وجوّعها. ليس هذا وحسب، بل أن الشيطان الأكبر هو من وسوسَ في صدور الناس، وجعلهم ينتفضون ويثورون، وأنزلهم إلى الشوارع وهم مضلّلون يهتفون بما لا يفقهون، ويطالبون بما هو عندهم ومتوفرٌ معهم، لكنهم لا يبصرون.

نعم الناس جاعت، والاقتصاد منهارٌ، والوضع مزرٍ. لكننا، ووفق رأيه، لسنا بحاجةٍ إلى أحد. فإذا ما رجعنا إلى رشدنا، وكنا من المهتدين المقاومين، الممانعين السامعين الطائعين، سوف يرضى نذيرنا، وتنحلّ جميع أزماتنا ومشاكلنا.

لكنكم تريدون استشاراتٍ للتكليف، وأن تجري قبل التأليف. وتريدون للتأليف أن يأتي بوزراء من أصحاب الاختصاص، وهذا لا يجوز بالمطلق لأن أصحاب الاختصاص من أصحاب البدع، وأصحاب البدع من أصحاب الشيطان.

إذاً وفق ما بشّرنا به نذيرنا، لا حكومة، وعلى الأقل في المنظور القريب. ذلك لأن حكومة التكنوقراط مرفوضة ،والمطلوب حكومة موسعة تضم جميع أطياف المقاومة والممانعة، ولأنها تتطلب تغطية دولية فلا ضير، وفق رأيه، أن يكون فيها بعض المعارضين والمنتفضين، فهذا يعطيها شرعيةً تمكّنها من تنفيذ الخطة الممنهجة المدروسة لاستكمال ما بدأت به الحكومة الباسيلية من تقويض المؤسّسات الدستورية، والانقلاب على الطائف، وتمكين ما يسمّى بالممانعة من السيطرة على مقوّمات ومفاصل الجمهورية.

وإذا لم يتحقق ذلك، لن تكون هناك حكومة. وعندها تكون حكومة تصريف الأعمال هي المطلوبة، وبذلك تبقى الحالة على ما هي عليه .
في هذا الواقع السياسي والاقتصادي المتأزم يبقي الرهان على الشعب المنتفض الرافض لسياسة القمع والتجويع، الرافض لعهد وصاية الصهر وتبعية الممانعة، الرافضة لتقدّم ونماء الشعوب القاتلة للحريات المعادية للتطور .

ويبقى الرهان على الأحزاب الوطنية العلمانية التي تؤمن بلبنان وطناً نهائياً لجميع اللبنانيين، وعلى الزعامات الوطنية التي أدركت خطورة ما كان يجري من تخطيط في الغرف السوداء، وحذّرت مراراً من الانهيار الذي أصبحنا في وسطه الآن. لكن لم يكن العهد ليسمع، بل كانت الباسيلية جاهزة دائماً لتخوينها، ولاتهامها، والتهكّم عليها، وتهديدها بإثارة الفتن الطائفية، وقلب منجزات المصالحة الوطنية، خصوصاً في الجبل.

إن الرهان أيضاً على المجتمع العربي والدولي لمساعدة لبنان للخروج من الوضع الراهن والمتأزم سياسياً واقتصادياً حتى لا تنهار المؤسّسات الدستورية، وتنهار معها الجمهورية سوف ينعكس سلباً على المنطقة جمعاء.

ويبقى الرهان على سعد الحريري أن لا يقع في مقلب التكليف ليتعثّر بعقدة التأليف المجهزة له مسبقاً،  والتي يمكن حلّها إذا ما بقيَ مصراً على موقفه الذي يمثّل نبض الشارع وموقف الحزب التقدمي الاشتراكي في  تشكيل حكومة اختصاصيين للقيام بمهمة إنقاذ الاقتصاد من الانهيار الكامل والعمل على صياغة قانونٍ انتخابي يكفل عدالة التمثيل، ومن ثمّ الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة.

فالتكليف، حتى لو تم، يبقى فارغاً ويشكل مقلباً إنقلابياً على الرئيس المكلّف إذا ما مُنع من التأليف.