Advertise here

تحديات جسام أمام الرئيس الجزائري الجديد

15 كانون الأول 2019 08:25:00

على وقع التظاهرات الشعبية، انتخب أقل من نصف الجزائريين رئيساً جديداً للبلاد، خلفاً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي تنحى عن الحكم في نيسان الماضي تحت ضغط الشارع بعد منعه من الترشح لولاية خامسة، وكان الجزائريون قد نجحوا في تأجيل الانتخابات الرئاسية مرتين، لأنها لا تحقق المطالب السياسية التي رددوها على مدى اثنين وأربعين أسبوعا، طالبوا فيها بتغيير جذري في هيكل النظام، وبإسقاط الطغمة الحاكمة ورموزها.

وعلى رغم من التغييرات التي طاولت الأحزاب الأساسية المشاركة في السلطة، وتقديم عدد من المسؤولين السياسيين السابقين المدنيين والعسكريين للمحاكمة بما فيهم الشخص الأقوى في البلاد سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، ورئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، بتهم مختلفة، انقسم الجزائريون بين مؤيد للانتخابات الرئاسية وبين معارض لها، إذ يطالب البعض المؤسسة العسكرية بتسليم السلطة لحكومة مدنية يختارها الشعب ووضع الجزائر على مسار ديمقراطي حقيقي، وبين من يقف خلف الجنرال أحمد قايد صالح، قائد المؤسسة العسكرية، الذي يصر على ضبط إيقاع هذا التغيير بما يتناسب ومكانة المؤسسة العسكرية التي أدارت النظام السياسي في الجزائر منذ الاستقلال عام 1962.

وبعد فوزه بالرئاسة قال الرئيس الجزائري المنتخب عبد المجيد تبون إن "القرار الأول الذي التزمت به مع الحراك ومع الجزائريات والجزائريين، أننا نمشي بسرعة نحو التغيير، وما يجسد التغيير هو الاتجاه الجديد للجمهورية الجزائرية عبر الدستور". وأضاف تبون: "قريبا جدا سأدعو العائلة الجامعية وأساتذتنا في القانون الدستوري والطبقة المثقفة وكل من يهمهم الأمر للمشاركة في إثراء الدستور".

وأضاف الرئيس الجديد: "أنا مستعد للحوار مع الحراك مباشرة ومع من يختاره الحراك حتى نرفع اللبس بأن نيتنا حسنة. لا يوجد استمرارية لولاية خامسة"، وقال "أتوجه مباشرة للحراك المبارك وأمد له يدي لحوار جاد من أجل جمهورية جديدة". وأوضح أن "المسودة الأولى للدستور ستطرح للنقاش في الداخل وعند جاليتنا في الخارج، وثم تطرح لاستفتاء شعبي"، وتابع: "ولما يوافق الشعب على الدستور الجديد سنقول إننا حقيقة في الجمهورية الجديدة".

بالمقابل احتشد المتظاهرون في الجمعة الثالثة والأربعين، وسط الجزائر العاصمة للتعبير عن رفضهم للانتخابات الرئاسية التي يعتبرونها استمرار للنظام السابق، مرددين "الله أكبر، الانتخاب مزور" و"الله أكبر نحن لم نصوت ورئيسكم لن يحكمنا"، وحمل بعض المحتجين لافتات كتب عليها "ولايتك يا تبون وُلدت ميتة"، و"رئيسكم لا يمثلني"، "أسوأ من بوتفليقة". كما سخر مدونون على شبكات التواصل من "رئيس الكوكايين" في إشارة إلى اتهام نجل تبون في قضية تهريب 700 كلغ من الكوكايين مازالت قيد التحقيق القضائي.

وقد ارتبط اسم تبون بقطاع السكن الأهم بالنسبة للجزائريين والذي أداره لأكثر من سبع سنوات في مختلف الحكومات. كما أشرف على إطلاق صيغة "عدل" عام 2013 التي تسهل على الجزائريين الحصول على السكن عن طريق البيع بالإيجار.

 تبون البالغ 74 عاما من العمر، تولى مناصب عديدة في الجزائر بينها رئيس حكومة، فاز بـ 58,15 بالمئة من الأصوات التي لا تتجاوز 40 بالمئة من عدد الناخبين، وخاض حملته الانتخابية تحت شعار "بالتغيير ملتزمون وعليه قادرون"، وضمن برنامجه السياسي 54 اقتراح إصلاحي سيسعى إلى تنفيذها كما قال، ومن بين تلك الإصلاحات، مراجعة الدستور الجزائري وتكريس نظام ديمقراطية حقيقي، يفصل بين السلطات، ويجنب البلاد أي انحراف  نحو الاستبداد المالي والعسكري. كما يقترح تحديد ولاية واحدة للرئيس المنتخب قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، كما وعد بإجراء تعديلات على القانون الانتخابي للسماح ببروز جيل جديد من المنتخبين الأكفاء والصادقين.

وفي المجال الاقتصادي، يقترح تبون تنفيذ سياسة جديدة بعيدة عن قطاع المحروقات وتثمين الإنتاج الوطني في مجالات الصناعة والزراعة والخدمات من خلال تقديم حوافز ضريبية وتقييد الواردات ووضع سياسة تصنيع جديدة موجهة نحو الصناعات الصغيرة ومتوسطة الحجم، إضافة إلى تعزيز الاستثمار والإنتاج الوطنيين، وكذلك تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.

في المجال الاجتماعي، تعهد تبون بحل "نهائي" لأزمة السكن، كما وعد بضمان دخل لائق للمواطن عبر مراجعة الحد الأدنى المضمون للأجور وإعفاء ذوي الدخل المنخفض من دفع الضرائب.

كما يعد بإصلاح شامل للقضاء لضمان استقلاليته وتحديثه من خلال الرقمنة (العدالة الإلكترونية) وتكريس مبدأ المساواة أمام القانون وتحقيق حرية الصحافة وتعدديتها واستقلالها، فضلا عن تعزيز الديمقراطية التشاركية وبناء مجتمع حر ونشيط.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على الجزائريين بعد الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات الرئاسية من قبل المجلس الدستوري الأعلى في البلاد بين 16 و25 كانون الثاني الجاري، هل سيقبل 60 % من الجزائريين الذين قاطعوا الانتخابات بتولي الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون سدة الرئاسة ويلبون دعوته للحوار، أم ستدخل الجزائر منعطفاً جديدا من الصراع، تقف فيها المؤسسة العسكرية بجانب النظام، مقابل الشارع؟