Advertise here

رجل بألف رجل

13 كانون الأول 2019 15:25:00 - آخر تحديث: 22 تموز 2020 13:34:33

ويلٌ لأمةٍ إذا ما غُيّبت شمسُ رجالها، تولّى أمرها مَن استطاب ظلّ جلّاديها.

أن تكتب في كمال جنبلاط يُفترض أن تشيح بنظرك عن كلّ ما يحيط بك، وخصوصاً في هذه الأيام، من مظاهر الخلاعة السياسية والجنون الفكري. 

هو رجل التناقضات في نظر الكثير من معاصريه، لكنه كان في الوقت ذاته نقطة الالتقاء للكثير منهم، والذين وجدوا فيه ثورةً على تناقضات الوطن اللبناني منذ فجر الاستقلال الأول. 

كمال جنبلاط الذي وهبَ نفسه وحياته للدفاع عن الفقراء، وعن العمال والفلاحين، كما للمطالبة بالعدالة والمساواة بين البشر. 
وإلى ذلك ناضل هذا الرجل من أجل تحرّر الشعوب والأفراد، وقاوم كل وجوه التخلّف والظلم، ودعا إلى حب الحياة بعيداً عن بهارج الملبس والمأكل و المسكن. إنه الذي نَدَرَ. 

كان معلّمنا يدفع التعقيد بالبساطة. البساطة التقنية بمختلف أنواع المعارف. البساطة التي تحتضن الكون وهي تصفو وتهفو نحو الخالق. 
هذا هو كمال جنبلاط، وهذه هي شخصيته، قائدٌ يفرض الاحترام على من حوله، ويتصدى لأعقدِ القضايا دون تردّد. وإذا كان فكر "حكماء اليونان" قد أثّر عليه، وجعله يميل مبكّراً إلى اللّا- عنف، فقد عرف دائماً كيف يمزج المتناقضات، وكيف يكون عنيفاً في مواجهة الشرور . 
وهو إن نجح في عام 1952، على رأس الجبهة الاشتراكية في إجبار رئيس الجمهورية على الاستقالة، إلّا أنه لم ينجح في تحقيق برنامجه السياسي والاقتصادي.

ولئن بدا العهد الشهابي في ما بعد قريباً من هذا البرنامج بسلسلةِ المشاريع التي أطلقها، إلّا أنه قصّر عن تنفيذ قانون "من أين لك هذا؟" الذي كان كمال جنبلاط يعتبره محور الإصلاح في لبنان. 

كذلك اضطُرّ عام 1975 إلى استخدام العنف مرةً ثانية، غير أنه في هذه المرة دفع حياته ثمناً لذلك. 

لقد قال: "لا للتدخل في شؤون لبنان"، كما قال: "لا للأطماع الإسرائيليه فيه". 
ونتساءل بعد أعوامٍ على اغتياله جسدياً: ماذا تغيرَ ؟!
الرغبة المحيطة ما زالت قائمة! 
والأطماع مستمرّة في ظاهرها وباطنها! 
والمجتمع اللبناني يعاني من شروخٍ مذهبية تمنعه من التقدم! 

يوم اُغتيل، هوى ركنٌ من أركان الفكر والوطنية الصادقة المفتقدة، فعمّ الوجوم، وأَخذوا جميعهم منذ تلك اللحظة يتوجسون أخطارَ ما يُبيَّت لهم من أذى. 

إننا لا نتذكّرهُ فحسب، بل نفتقدهُ، ونشعر في أعماقنا بالحاجة اليه. 

رحمَ اللّه هذا المعلّم السبّاق.