Advertise here

يا ميليشيات لبنان العظيم!

14 كانون الثاني 2019 13:57:00 - آخر تحديث: 14 كانون الثاني 2019 14:02:47

هنيئاً لمليشيات لبنان انتصارها على منطق الدولة، بل تبديدها حتى الأمل بقيامها، أقلّه في المدى المنظور لأجيال.
فبعد عشرين سنة من مرحلة سلمٍ أهلي "جمّدت" حرباً أهلية "أبدعت" خلالها كل ميليشيا طائفية قتلاً وتهجيراً وتدميراً ومجازر، كل منها بحق الأخرى، ومن ثم بحق نفسها، أثبتت المليشيات رسوخها في نفوس اللبنانيين الذين يؤكدون مراراً توقهم إليها وإلى مرحلةٍ حكمت فيها البلد، مع الإشارة إلى أن الواقع اليوم لا يختلف عن تلك الفترة سوى بإبدال المتاريس الفعلية الفاصلة بين المناطق بمتاريس نفسية لا تزال قائمة، وخلع "المواطنين" ثياب المليشيات وإلقائهم السلاح الناري، مع تمسكهم بذهنية الممارسات المليشياوية بأسلحة مختلفة.
فهنا فئةٌ تفاخر بأنها تمتلك من القوة العسكرية ما يفوق قدرات الجيش الوطني اللبناني الذي لا تتردد بتعييره بالضعف، مقارنةً بما تملك، ولا ترى حرجاً في إعلان أنها من يملك قرار الحرب والسلم مع العدو الإسرائيلي، ولا في انخراطها ميدانياً بصراعات الجوار.
وهناك فئةٌ تتحدى أعلى سلطة في الدولة، وتضع فيتو على حضور وفد دولة عربية، وتفاخر بنزع أعلام هذه الدولة وإبدالها بأعلامها الحزبية، جهراً نهاراً.
وهنا فئةٌ تتحدّى القضاء وتهدد مرجعيات وقيادات في أجهزة أمنية لم تسلم هي الأخرى من تصنيفها في خانةٍ طائفية أو مذهبية، ما يحوّلها ولو نظرياً إلى ميليشيا تدين بالولاء لهذه الجهة أو تلك.
وهناك مسؤولو أحزاب وتيارات وحركات لا يجدون حرجاً في اعتماد خطاب مذهبي ليس في المجالس الحزبية الضيقة، بل في إطلالاتهم العلنية، ويعتبرون تجييش "جمهورهم" أمراً مشروعاً، متجاهلين- أو ربما فرحين- بما يعنيه ذلك من تحريك للغرائز واستحضار لأـحقادٍ متبادلة، لا ينفع معها اجترار عبارات التجميل من نوع "العيش المشترك ولبنان بجناحيه وكلنا إخوة"، ولا إبراز أوراق تفاهمات أبرمت لغايات سياسية تحالفية ضيّقة، تستدعي عناية فائقة كلما اهتز شارع في مقابل شارع.
وهنا شعبٌ اعتاد غياب حكومة من واجباتها إدارة شؤونه في مختلف المجالات، كما اعتاد إقفالاً لمجلس نيابي وشلاً لدوره التشريعي، وكذلك شغوراً رئاسياً، ولا يجد ضيراً في أن يعيش بلا رأس ولا مرجعيات دولة "شرعية"، ما دامت مرجعيته الطائفية أو المذهبية بخير، تمسك بزمام حياته وتقرر عنه مصيره، وترسم له حدود اعتراضه، فلا يتحرك للمطالبة بأبسط حقوقه، من كهرباء وماء وطبابة وبيئة ووظيفة وأمن مجتمعي وضمان شيخوخة، ويثور متى تعرّض مرجعيته لانتقاد أو مسته ملاحظة من "الشريك في الوطن".
يا مليشيات لبنان العظيم، هنئياً لك انتصارك على مفهوم الوطن، وإثباتك أنك أنت "أم الكل"، وأنك الأقوى من كل العهود. 

* صحافي لبناني- دبي