تعنت ورفض للتنازل... فيما محرقة الاقتصاد والأسماء مستمرة

28 تشرين الثاني 2019 08:19:00 - آخر تحديث: 29 تشرين الثاني 2019 08:31:26

وتستمر المحرقة. محرقة الأسماء والتشكيلات. محرقة الاقتصاد باللامبالاة والتعنّت ورفض التنازل. أما محرقة الناس وأعصابها، ولقمة عيشها، ومواردها، فهي التي تزداد اشتعالاً بلا أدنى مسؤولية من المسؤولين أمام شعبهم. وحدها المكابرة تلجأ إليها القوى السياسية للتعالي على صرخات مواطنين، واقتصاد، وواقعٍ اجتماعي انفجر، ولا مَن يهتم  لكيفية لملمته والحدّ من تدهوره.

في هذا السواد الأعظم الذي وصل إليه اللبنانيون بخبثِ بعض القوى السياسية واستثماراتها، وجشعها الذي لا حدّ له، ولو أدت الحسابات إلى إراقة الدماء. وربما كُثر من يسعون وراء إنزال الدم للاستثمار فيه أيضاً، تماماً كما كان وزير الخارجية يستثمر بخزينة الدولة الفارغة ليذهب إلى بودابست باحثاً عن استثمارٍ استعطافي تحت عنوان الاضطهاد الديني، ومحاولة نقله إلى لبنان. من يستثمر بالطائفية وتعصبها وإثارتها، بالتأكيد لا يتوانى عن الاستثمار بالدم. الدم الذي يتخوف منه اللبنانيون ويثورون رفضاً لإراقته وإزهاقه، فكانت بقعة الضوء من مشهد التلاقي الحقيقي غير المصطنع، والمتحرر من أي حسابات سياسية بين أهالي عين الرمانة والشياح. التحام الأمهات كان الأجمل، وبريق الأمل في واقعٍ يريده البعض ساحة تجاذب وتصفيات حسابات لا تقوم إلّا على التناحر.

ينتفض اللبنانيون على إحراقهم لحسابات الساسة، وسط حالة إنكارٍ مستمرة من قِبل الحاكمين الرافضين للتعاطي بأي جدية مع كل ما يجري. وتستمر محاولاتهم في إعادة إنتاج وتدوير أنفسهم ومواقعهم وحصصهم.

هذه الحسابات هي التي لم تنتج حتى الآن أي حلّ، ولم تجد أي تسويةٍ للخروج من المأزق، وترضي الناس، وتلبي احتياجات الواقع المتدهور، وهي التي تفتح الباب أمام المزيد من المناورات وسط غيابٍ دولي كامل عن تقديم طبق الحلّ، لأن أحداً لن يغير ما بقومٍ ما لم يغيّروا ما في أنفسهم، وما لم يساعدوا أنفسهم.

بقدر الإيجابية التي تقدمها التحركات المدنية الرافضة للعنف وللعودة إلى خنادق الانفصال، تستمر سلبية القوى السياسية بالانعكاس على المشهد الجامع الذي قدّمه شباب لبنان ونساؤه، فتتغلب الحسابات الضيّقة على المطالب الجامعة، وهذا ما يمنع حتى الآن تشكيل الحكومة التي لا تزال الآفاق مسدودةً أمامها بسبب المناورات، وهو ما يعني أن الأزمة ستكون طويلة والمحرقة مستمرة.